تنهض وتتقدم، وأنها أحوج ما تكون في هذه المرحلة خاصة إلى الحرية والإيمان متفقين، لأن الحرية بغير إيمان حركة آلية حيوانية أقرب إلى الفوضى والهياج منها إلى الجهد الصالح، والعمل المسدد إلى غايته، ومن الخير أن تذكر الأمم الإسلامية على الدوام أن الحرية عندها إيمان صادق، وليست غاية الأمر فيها أنها مصلحة ونظام مستعار)
ثم ينتقل الأستاذ بالقارئ من فصل إلى فصل تنقل الخبير بالمسالك والدروب دون أن يشعر بيأس أو فتور، ولا يسع القارئ إلا أن يمضي قدما في القراءة حتى يصل إلى الخاتمة.
ولا يسعني في هذا المقال إلا أن أشير على أولئك الذين ينفثون سموم المبادئ الهدامة بين الطبقات الجاهلة، أولئك الببغاوات التي تنطق ولا تعرف ما تقول. . أن يقرءوا ويتدبروا الفصل القيم الخاص بالديمقراطية الاقتصادية؛ ومن الخير أن يقرأ أولئك المتعصبون على الإسلام والمسلمين ذلك الفصل النفيس (مع الأجانب) ليعرفوا مدى تسامح الإسلام والمسلمين مع الأجانب. . ولن يقرأ أولئك المتعصبون ذلك الفصل إلا إذا ترجم الكتاب إلى الأوربية، ولعل الحاذقين لهذه اللغات ينهضون بهذا العمل الجليل، ولن أنسى ذلك الفصل الممتع (أقوال المفكرين الإسلاميين) وفيه عرض واضح على الإمامة والسياسة في الإسلام، إلا أن لي ملاحظة واحدة، وهي أن أستاذنا الكبير أتى بجزء من وصية الإمام علي بن أبي طالب لمالك بن حارث الأشتر النخعي حين ولاه مصر، وهذه الوصية منسوبة إلى الإمام علي فيما نسب إليه. نعم، إن الوصية ليست من كلام الإمام علي، وإنما هي بكلام العباسيين أشبه، لأن الكتابة المطولة لم تكن معروفة في العصر الأول من الإسلام ولم تكن لدى الإمام علي سعة الوقت وهدوء البال ليكتب هذا العهد المسرف في الطول، وما كان أجدر أستاذنا الكبير أن يحقق هذه المسألة وهو على ذلك قدير إن أراد.
على أن مثل هذه المسألة التي تدل على وجهة نظر خاصة بي، لا يمكن أن تقلل من قيمة هذا الكتاب القيم على ما به من أخطاء مطبعية يقع اللوم كله فيها على عاتق دار المعارف التي عودتنا أن نرى مطبوعاتها في حلل قشيبة من الطبع الأنيق الصحيح.
ولن أضع القلم قبل أن أرفع إلى أستاذنا العقاد تحية ملؤها الإكبار والإجلال، داعيا الله أن ينسئ في عمره ليمد المكتبة العربية بنفائس الكتب وفرائد المؤلفات.