في الأمثلة الجارية: الكتاب يقرأ من عنوانه: يقال هذا في المقابلات وفي المعاملات وفي ظواهر الأشياء. . وعلى ضوئه احتلت الدعابات صدارة الحكم الابتدائي في المرئيات: وسار النظار والمحكمون والنقاد على سنن الدعابات حتى النهاية، فمن وجدها سراباً لعن الدعابات المعترضة وطالب بتغيير المسميات أو تعديلها، ومن وجدها نبعاً لا سراباً استنبط منها زاد المعرفة وأضاف إلى دعابة الأرض دعوة السماء (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
عندما بدأت في قراءة (كتاب فن الأدب) لاح أمامي عنوانه الدخيل على القدامى وقراء الأدب، وعادت بي الذكريات إلى المساجلات بين نقاد الحكيم وعشاقه، وتذكرت صديقي الذي جن بأسلوبه كما جن (قيس بحب ليلى).
وقد استقبلت هذا الكتاب بتلك الخواطر فما كدت أرى دقة معانية البارزة في ربط ماضي الأدب بحاضره ومستقبله، وقوة تعبيره في مزج غربيه بشرقيه وسلامة خياله في إدماج القصة بالتصوير، وسرعة الخاطر في مسايرة المسرح والإذاعة والسينما، حتى كون إرهاصاً في ربط مستحدثات الأدب بمناهل لغة الضاد بعد أن سبكها بالفارسية ومزجهما بتلبد الأدب في الجاهلية وبعد الفتوح الإسلامية تدرج من أدب القفرة إلى أدب الواحة إلى أدب المدينة، ومن أدب الغابة إلى أدب الحانة، ومن أدب الدف والمزمار إلى أدب النوتة والأوتار، بعد أن سار في أسواق عكاظ ونقل من محاسن باريس وبغداد خلاصة تأملاته بين المدائن والقفار.
بعد هذا كاد أن يدركني جنون صديقي في كتاب الحكيم الجديد وعجبت من التسمية التي لا تقرأ في عنوان الكتاب. . فإن الفن الذي يقصده بموازينه وأصوله التي تفرع منها المسميات الجديدة للسينما وغيرها ليست كافية وليست أصيلة في التسمية بعد أن جعله جامعة عامة لفن الأدب ولغير فنه، ولذلك فإني أخالفه في التسمية كما أخالفه في بعض