للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً. هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين، فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً) هؤلاء الفتية الأقوياء في إيمانهم - وإن كانوا كباراً في سنهم - الذين يعتزون بهذا الدين أكثر ما يعتزون بشيء، إنهم لا ينظرون إليه كتراث قديم وكأثر من الآثار العتيقة أو كشجرة قد انتهى نموها وانقطعت أثمارها، إنما ينظرون إليه كمنبع فياض يستمدون منه القوة والحياة، وكشمس ساطعة يقتبسون منها النور والحرارة في كل زمان ومكان، ولا قديم في الشمس ولا جديد، إنما هي حاجة الإنسان الدائمة ورسول النور والحياة في كل عصر ومصر، وبينما كان ينظر إلى الدين كقضية شخصية لا دخل لها في الحياة العامة، ولا رسالة لها للسياسة والاجتماع، ولا صلة لها بالحكم والتشريع، أصبح ينظر إليه كمنهج للحياة ومنهج للتفكير تتوقف عليه سعادة البشرية، وتنحل به عقد المدنية الحديثة. إن الإسلام لا يعيش على هامش حياتهم إنما يحل منهم محل القلب والعقل والروح. إنهم لا ينظرون إليه كدين من الأديان الكثيرة وكمنهج للحياة من مناهجها الجديدة، إنما ينظرون إليه كالدين الحق الوحيد الذي لا يبقى بعده إلا الضلال ولا يرغب عنه إلا من سفه نفسه. هؤلاء هم الذين قام بهم الإسلام في عصره الأول وسيقوم بهم في هذا العصر.

وأعجب ما رأيت هو قوة هذا الإيمان وجدته في الشباب المتعلم، فقد رأيت هذا الجيل الجديد يكاد يفوق الجيل القديم في قوة الإيمان والحماسة الدينية، رأيته يقبل على الدين كنعمة جليلة أو طرفة ثمينة، ويذكرنا بسروره وتقديره أولئك الرواد المغامرين الذين كانوا يخرجون لاكتشاف البحار والأقطار المجهولة ويتكبدون في سبيله من المصائب ما يشيب لهولها الولدان، فكان إذا نجح أحدهم في مهمته ملكه الفرح واعترته نشوة الانتصار ونسي ما لقي في طريقه من النصب والتعب واعتبر ما اكتشفه فتحاً جديداً في حياته وأعز من كل ما يملكه من قديم وما يعلم من قديم، رأيت في هذا الشباب من الشجاعة الأدبية ومن الثقة بالدين وتعاليمه والإعجاب بشخصياته التاريخية ومن التطلع إلى النظام الصالح ومن روح التضحية والإيثار والثورة على النظم الجائرة والأوضاع الفاسدة والتمرد على المادة ومكيائيلية المجتمع الزائفة ما يندر وجوده في الجيل القديم. لقد قرت بهم عيني وانشرحت لهم نفسي واجتمعت بهم وحادثتهم كثيراً في عواصم الشرق الأوسط، وقلت: هذا هو الجيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>