لقد بدأ العالم الربي يكفر بالغرب أحياناً بعد ما آمن به طويلاً وخضع له طويلاً وربط نفسه بعجلته فأصبح يرى نفسه مستقلاً؛ وعضواً كريماً في أسرة العالم، يعلم المفسد من المصلح ويميز بين الصديق والعدو ويحتفظ بحقه في الصلح والحرب والحلف والصداقة.
لقد بدأ بعض الأقطار العربية يرنو إلى التقدم الصحيح والاستقلال الصادق. قد بدأ يفهم أهمية الصناعات الوطنية والإنتاج والاكتفاء الذاتي والاستغناء عن البلاد الأجنبية في مرافق الحياة. وقد بدأ بعض هذه الأقطار يخطو نحو هذه الغاية وإن كانت هذه الخطوات بطيئة وقصيرة، خطوات رجل مثقل يئن من أثقال القديم، ولكنها بدأت تزحف كما يزحف الطفل بعد ما بقيت مدة طويلة تلهو بما كان الغرب يرمي إليها من ودعات، وبما يصدر إليها من بضائع وآلات. لقد بدأت الأقطار العربية تتعلم صناعة الموت بعد ما جهلتها طويلاً وهجرتها طويلاً، وأصبحت تعتقد أنه لا يعيش في العالم إلا من يستطيع أن يموت.
وأعظم ما يبعث الأمل في النفوس ويبشر بالمستقبل الإسلامي هو ظهور آثار الإيمان الجديد في العالم العربي، فإنك تعلمين أيتها الجزيرة العربية حق العلم أن أسرتك الكريمة ليست في حاجة - وكذلك العالم البشري كله - إلى دين جديد، فإن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الخالد والرسالة الخالدة، وأنه لا يزال على جدته وقوته مهما تقادم الزمان، وانه يسع العالم كله والعصور كلها، ولكن أسرتك التي تدين بهذا الدين في حاجة ملحة اليوم إلى إيمان جديد بهذا الدين الخالد، دين كل عصر وجيل، فقد ضعف هذا الإيمان، وقد تجددت فتن، ونشطت دعوات متطرفة وقويت، وكثرت النكبات، ولا يمكن أن يواجه العالم العربي هذه الفتن، وهذه الدعوات وهذه النكبات بإيمان ضعيف بال، لا يستطيع أن يتحمل صدمة، أو يتغلب على شهوة، أو ينتصر على أنانية، أو يتحمل شدة، أو يقف في وجه دعوة، إنما هو إيمان منهار لا يستطيع أن يعيش ويتماسك في عصر قد جد فيه الجد.
ولكني رأيت في الأقطار التي مررت بها في هذه الرحلة بواكير إيمان جديد وطلائعه. لقد رأيت إيمانا فتياً وثاباً، لقد رأيت فتية وصفهم ربهم قديماً بقوله (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو