وهكذا فإن نظرة عاجلة في الأدب التركي تطلعنا على أن هذا الأدب كان متفرعاً عند ظهور العثمانيين إلى عدة فروع هامة، منها العثماني والآذري والجغتائي والمملوكي. . . ولقد امتد أثر الأدبين الجغتائي والآذري قروناً طويلة وذلك بامتداد الأدب العثماني، حتى فقد الأول منهما مميزاته الجوهرية الخاصة واندمج في غيره من الآداب (التركية). ولا يزال الأدب الآذري قائماً بنفسه، محافظاً على مقوماته الأساسية حتى اليوم. أما الأدب العثماني، وهو موضوع دراستنا، فقد انقرض تدريجياً بعد زوال الحكم العثماني وظهور الدولة التركية الحديثة، وغدا اليوم أدباً تاريخياً مقصوراً على بعض الأندية الأدبية ويمثله في الوقت الحاضر شعراء محصورون.
ولننتقل الآن إلى العهد العثماني، وقد رأينا أن نتبع في تقسيمه إلى الأدوار هذا الشكل:
(أولاً) صدور الدولة العثمانية (ثانياً) دور الدواوين (ثالثاً) دور التنظيمات (رابعاً) دور ثروة الفنون.
صدور الدولة العثمانية:
ويبتدئ هذا الدور، حسب ما نراه، من وقت تأسس الدولة العثمانية (سنة ١٣٠٠م - ٦٩٩ هـ) حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي. ويتميز الشعر في هذا الدور بنقاوة اللغة وسلاسة الألفاظ ورقة الأسلوب وقلة التكلف. فكان الشعراء يتجنبون غالباً استعمال الكلمات الغريبة في أشعارهم وينفرون من التصنع والتلاعب بالألفاظ. ولذا فإن شعرهم يمثل باستثناء أشعار بعض المتأخرين من الشعراء أبدع ما نظمه الشعراء العثمانيون على الإطلاق.
وامتاز هذا الدور بشيوع (المثنوي) بين الشعراء شيوعاً هائلاً، إذ لا يخلو أثر من الآثار التي ألفها الشعراء في هذا الدور من شعر المثنوي.
والمثنوي لون من الشعر اشتهر به الفرس منذ القديم. فنظموا به الملاحم التاريخية الكبرى والقصص الخيالية الرائعة أمثال (الشاهنامه) للشاعر الفارسي العظيم (فردوسي). و (المثنوي) لمولانا جلال الدين الرومي. . وقصة (يوسف عليه السلام) وقصة (ليلى والمجنون) وغيرها كثير. . ويميز المثنوي عن غيره من الأشعار وجود القافية بين شطري كل بيت من أبيات المنظومة؛ ولا يشترط اتحاد الأبيات في القافية إذ يكفي أن يكون شطرا