للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العظيمة وعبقريته الفذة. إن شخصية كهذه هي التي تمكنت بقوتها الخاصة من جذب أنظار العالم إليها بصورة مدهشة، فكأن الطبيعة شاءت أن تظهر فيه سراً من أسرارها العجيبة). وقد عرض جوته يوماً من الأيام إلى ذلك بقوله (إن العوائل التي تستمر طويلاً في وجودها تبدع قبل انقراضها شخصاً يجمع كل ميزات أجداده بالإضافة إلى العواطف والمطامح الكامنة التي ظلت خافية عن الأنظار) ويعني هذا بمفهومنا العصري أن جوته لا يقصد من ذلك إلا نفسه. ولنا أن نتساءل وكيف حدث ذلك؟ وما يعني الاندماج في الحقيقة؟ إن جميع ذلك حدث - وما يزال يحدث - بصورة عفوية بسيطة، وكثيراً ما امتزجت عوائل وتزاوجت، وهذا التزاوج والتمازج يبدوان جليان فيما لو لاحظنا ما يحدث بين ممتهني الحرف المختلفة من كافة العوائل والطوائف والملل، ولنا في عائلة (لند هايمر) التي تصاهرت مع عائلة (تكستر)، مثال واضح لعائلة نزحت من فرانكفورت التي هي في جنوب ألمانيا، واتصلت بعائلتي غوته وتكستر، اللتين تسكنان في الشمال ما بين غابة ثورجينيا وجبال هارس. إنني أعتقد شخصياً أن عرق لند هايمر ينتسب بصلات قوية إلى الرومان - أي إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط - كما أن لها نسباً بالعروق البربرية التي امتزجت بها من زمن بعيد، وأن هذه العائلة كان لها التأثير الحاسم في تكوين طبيعة الشاعر العظيم، فقد ورث عن أمه - التي هي من هذه العائلة - والتي كانت قوية البنية، واضحة الملامح رقيقة المزاج، سمراء اللون، ورث منها - اعتماداً على الصور التي في حوزتنا - جبهته وشكل رأسه، واتجاهاته الفكرية الكلاسيكية، ورغبته في الأسلوب الجلي الواضح، وروحه المرحة، وسخريته، وجاذبيته، ونقداته، وكراهيته للطبيعة الألمانية، ومع ذلك فأن الطبيعة الألمانية كان لها تأثير غير منكور فيه يتبين ذلك من هدوئه ونقده الرائعين اللذين يمتاز بهما الألمان، أما من الناحية البايولوجية، فقد كان هذا الاتحاد العائلي مقدراً له أن ينتج هذه الظاهرة الملائكية. كان جده خياطاً يدعى فردريك جورج غوته، وكان فاشلاً في أعماله، تزوج مرتين ومات أكثر أولاده الأحد عشر في سن الطفولة إلا ثلاثة وأكبرهم كان مختل العقل، مات في سن الثالثة والأربعين مجنوناً لا رجاء فيه. أما والد الشاعر جوهان كاسبر، فقد كان العاشر لأبويه، وأصبح قاضياً يلقب بـ (المشاور الإمبراطوري) وكان هذا رجلاً شرساً مغضاباً يعيش في عزلة عن الناس، ولم يقم بواجب وظيفته مطلقاً،

<<  <  ج:
ص:  >  >>