وأما زوجته (اليزابيث) فقد ولدت له ستة أطفال، عاد منهم أربعة إلى عالم الظلال مبكرين، وبقيت أخت (وولف كانغ)، فرناليا، وكانت تعسة كئيبة، وكان الأجدر بها أن تكون راهبة من أن تكون زوجة كما قال أخوها، ومع ذلك فقد تزوجت لكي تموت في أيام نفاسها، تلك الأيام التي كانت تنظر إليها بعين ملؤها المقت والكراهية. وهكذا عاش (وولف كانغ) وحيداً فريداً، وقد تمكن أن يعوض بحياته المديدة عن حياة الجميع، ولكن حياته الأولى كان يعوزها الصحة كما كان الحال مع الآخرين، فداهمه السل طوال حياته الجبارة، ذلك المرض الخبيث الذي كان كامناً من سنين كثيرة في أعماقه، على أن هذا المرض لم يمنعه من الدراسة ودليل ذلك التحاقه بمدرسة (لنبرغ). وقد تألم كثيراً من النزيف الذي كان يعاوده بين حين وآخر مما اضطره إلى العودة إلى بيته شاباً مهيض الجناح، فاشلاً في دروسه ليزيد في آلام والديه. ولكن ذلك لم يدم طويلاً، لأن قواه عادت إليه في (ستراسبورغ) ما بين سن العشرين والثالثة والعشرين، حيث أكمل دراسته الحقوقية وسط صعوبات هائلة، وبعد أن تراجع عن منهاجه الذي رسمه لنفسه، وأخيراً حصل على الليسانس من كلية (وتيسلر - آن - ديرلاهن).
اشتغل الشاعر مدة من الزمن في المحاكم الإمبراطورية بصورة رتيبة، وبدون أي رغبة، وهكذا نراه لم يعمل شيئاً يستحق الذكر، غير انهماكه في الحب والتألم والأحلام والكسل، وغير تركه لروحه لتنمو نمواً حراً بديعاً في عوالم الأحلام. لقد كان يجذب إلى نفسه، بأسلوبه الخاص في لباسه وعاداته وتقاليده، يجذب إليها سخرية الناس وضحكهم واستهزاءهم، إلا أن ذلك لم يكن يؤثر في جاذبيته المشعة، وشبابه النادي، وتباهيه وخيلائه، كما أن موهبته الإشعاعية التي كانت تظهر بصورة جلية، كانت تنز بالقوة الجبروتية والروح المتعالية الوحشية، على أن هذه الروح تأنست بسذاجته التي لا توصف، وطيبته الحلوة وشبابه الغض البهي. كان رائع الجمال، وصديقاً حميماً للأطفال وللناس العاديين، لا بل أنه كان صديقاً للطبيعة نفسها، وكان في نفس الوقت (يشبه العصفور في تنقلاته وتجواله) كما حدثنا بذلك الشاعر هردر (كان سيداً عالي الجناب، ولكن بأرجل ضعيفة كأرجل الديك). وقد كتب غوته يوماً عن نفسه قائلاً:(أنا لا أعرف ما هو نوع التأثير الذي يكمن في، والذي يجذب الناس إلي، إن أكثر الناس تحبني، ولا طاقة لي بمعرفة ذلك).