ولابد أن هذا التعلق كان في أوجه عند بلوغ شاعرنا السادسة والعشرين، وخصوصاً لما أصبح مؤلفاً ذائع السيط، وناظماً لقصائد بارعة الجمال، ومن هذه المؤلفات كتابه (برلنكن) و (فرتر) وقطع شعرية أخرى من قصيدة (فاوست). إن جميع ذلك جعل من دخوله إلى (وايمر) نصراً رائعاً له، حيث ضمه إلى حاشيته دوقها الصغير، وكان غرضه من ذلك زيارة للمدينة ليس إلا. إن هذه الزيارة طالت حتى شملت كل حياته. وإذن فدخوله إلى (وايمر) والتحاقه بالوظيفة فيها كان مجرد صدفة، هذه الصدفة التي خدمت خطته النفسية، والتي أسماها (القيادة من أعلى).
اتصل جوته بالأمير (كارل أوغست) في (كارلز روهه)، يتوسط اثنين من الأرستقراطيين المعجبين به. وخطب هناك (ليلي شون مان) ابنة أحد نبلاء (فرانكفورت) ولكن خطوبته هذه لم تكن مستندة على حب أو افتنان، لأن الخاطب الصغير كان تعيساً جداً في أعماق قلبه، على ما حدث له من خبال كاد يمنع نفسه النقية من أن تقوم بواجبها، فاضطره ضجره إلى الهروب، فهرب إلى سويسرا بصحبة نبيلين متحمسين له، وكان قلبه يصرخ من أعماقه (يجب علي أن أذهب إلى العالم) وكان لصوته هذا صدى عميق في كتاباته، أما الصوت الذي تجلت فيه هذه الصرخة، فقد كان صوت عمله الحبيب، حياته التي كانت في أوج جاذبيتها وكمال نضجها، هذا الصوت الذي تكلل بالجمال والجلال، والعظمة الحقة، إنه صوت فاوست الذي أريد له أن يظهر في عالمنا هذا ذي الشئون والشجون، بصورة باهرة عذبة، جميلة رائعة فخمة.
وقع كارل أوغست في حبائل الحب مرتين، الأول تعلقه بالأميرة لويزا من (دار مستاد) والثانية مع الدكتور غوته نفسه، ولما تلاقيا كان كارل أوغست متزوجاً وأميراً ذا نفوذ وسطوة، فوضع كلاً منهما - أي لويزا وغوته - تحت رعايته وكانت عاصمته الصغيرة (مانيتز) ومن حولها القرى مسرحاً للصيد والفروسية، وقد بلغ بشاعرنا السرور غايته القصوى، إذ كان يتمتع بالجاه العريض والنفوذ الواسع، وبمصادقته وحبه للمتعلقين به كان يضفي عليهم شخصيته وشرفه وعظمته، حتى أصبح ذلك كله مدعاة لكراهيته!