للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وطوينا الطريق في خطوات، وإذا نحن في بيت يجمع من أمرنا ما تفرق، نطل من شرفاته على ذلك النهر الذي شهد بكرة هذا الحب ووعى ذكريات هذا الغرام، وإن له لحديقة تزهر فيها الأماني وتتفتح الأحلام

ورحنا نمرح في جنبات الدار كأسعد عاشقين أتم عليهما الحب نعمته وأسبغ أمنه. فإذا دنا المساء فذراعها إلى ذراعي في الحدائق الفينانة والملاعب الساهرة؛ فما في الناس إلا من يعرفنا فيتمنى ويرانا فيغبطنا!

وكنا في البيت فجاءت تسعى إلي ضاحكة مزهوة

قالت: (كيف ترى هذا الثوب يا حبيبي؟)

قلت: (إنك به لأكثر فتنة!)

قالت: (إنما صنعته بيدي، ولقد أدمت الإبرة إصبعي، ولكني بما أصابها لسعيدة! أرأيت يا حبيبي إنني لا أشتري جمالي من السوق، ولا ألتمسه عند الخياطة؟)

قلت: (إنني بك فخور!)

قالت: (بل قل بربك إنك تحبني، وأترك لي وحدي نعمة الفخر بحبك!)

ثم لوت لتهيئ لنا الطعام. ما أشهى ما أكل من صنع يديها الجميلتين!

ومضيت في سبيلي إلى المجد اقتحم الصعب وهي من ورائي تدفعني إلى الجهاد وتضاعف في الأمل. فإذا أعياني الجهد ونالني التعب وتكاءدتني عقبات الطريق - مالت علي تهمس في أذني عاتبة:

(كيف تضيق بنفسك يا حبيبي وأنا إلى جانبك!)

يا الله! أكان هذا كله خيالاً من تلفيق الأحلام، تجمع من صورة إلى صورة دنيا تموج، ومن جزء إلى جزء عالماً مصوراً من المنى التي نلتمسها في اليقظة فلا نراها. . .؟

لا أكاد أصدق من طول ما تتراءى لي هذه الصور أنها غير حقيقية! فهأنذا ما أزال أفتش عنها. . . عنها هي، واثقاً أنني سأجد عندها تعبير أحلامي. . .!

ويحي؟ أين هي الآن مني؟ أتراني ألقاها في الخيال على غفلة منها، أم أنا من فكرها في مثل موضعها من فكري فنحن نلتقي على ميعاد؟

ألا كم يفعل الحب من معجزات! أنه ليضاعف وجود العاشقين إذ يلتقيان على البعاد في دنيا

<<  <  ج:
ص:  >  >>