للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إذا ما رأيتهمو حولها ... يموجون كالنحل عند الربى

رأيت الحضارة في حصنها ... هناك وفي جندها الأغلب

هكذا تصور أمير الشعراء المدرسة. . أتراه كان في هذه الأبيات شاعراً خيالياً أم شاعراً واصفاً. رحم الله شوقي لقد رسم المثل الأعلى للمدرسة وأرادها حصن حضارة وغاب جنود. . ترى هل مدارسنا المصرية هكذا؟ هل تعمل المدرسة المصرية على تثقيف تلاميذها والارتفاع بمستواهم العلمي والأدبي؟ وهل يتجه الجهد في هذه المدارس إلى العناية بهؤلاء التلاميذ حتى يصبحوا كما قال شاعرنا الخالد جند الحضارة الأغلب وحصنها المكين.

إنه مما يؤسف له حقاً أن الجواب (لا)، إن المدارس المصرية لا تعمل على هذا، وإذا كان لابد لنا من التفاؤل فلنقل إن أغلب المدارس المصرية لا تعمل على هذا حتى الآن.

فمدارسنا المصرية مازالت تسير على النظم القديمة في التربية وهي المعروفة باسم التربية التقليدية. وحسبكم أن تعرفوا أن طريقة وست لتدريس اللغة الإنجليزية هي أحد النظم التي أدخلت إلى المدارس المصرية، وطريقة وست هذه فيما وصل إلى علمي معمول بها منذ نصف قرن أو أقل قليلاً، أي أن أحدث تجديد حصل في طريقة التدريس بوزارة المعارف كان منذ خمسة وعشرين عاماً. وبعد هذه الحقبة الطويلة من السنين تألفت لجنة قائمة الآن تحاول أن تتحرر من هذه الطريقة مبقية على أجزاء يسيرة منها.

نظام التربية التقليدية إذن هو النظام السائد في المدارس المصرية، وهذا النظام من شأنه أن يتوجه بعنايته إلى المواد الدراسية، فنرى المدارس وقد أوسعتها تبجيلاً واحتراماً، ونرى التلاميذ ركعاً لهذه المواد سجداً يؤمهم في صلاتهم البوذية رائدوهم من الأساتذة والمربين، فالمادة العلمية هي السيد الذي لا يحفل بالميول الشخصية ولا يعبأ بالاستعداد الطبيعي، وإذا كانت المدارس في أصل نشأتها قد قامت ليستفيد منها التلاميذ بالمواد إلا أن المدارس نفسها قد رأت أن تستفيد المواد بالتلاميذ، ثم استقرت على رأيها فوجدت أن الأمر هكذا أهدى وأيسر سبيلاً. فليس من الضروري عندهم أن يتفهم التلميذ المادة ويفقهها، بل حتم عليه أن يجيب إذا سئل، وحق عليه العقاب إن سكت. بل لقد جرفهم هذا المذهب إلى ما هو أدهى من ذلك وأظلم، فالتلاميذ بناء على أوامر وزارة المعارف يطالبون فقط بما يلقى إليهم بين

<<  <  ج:
ص:  >  >>