للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جدران المدارس، فإذا راق لتلميذ ما أن يدرس في خارج المدرسة متزايداً في علم يميل إليه فإنه يمتنع عليه كل الامتناع أن ينطق حرفاً مما تعلمه في الخارج. وإليكم مثلاً: لي صديق ظل يكتب في نقد الشعر مدة ثلاث سنوات في كبريات المجلات الأدبية ثم نقل إلى التوجيهية، وكان ضمن المنهج المقرر عليه فصل في نقد الشعر، ولكن صديقي بما يملك الشباب من غرور استكبر أن يذاكر هذا الباب، فحين امتحن أثناء العام في النقد، نقد الشعر الذي عرض عليه بغير الألفاظ التي ينقدها به النص مستحدثاً بذوق أدبي سليم فأبى عليه أستاذه هذا، وسقط في امتحان نصف العام. قد تقولون أنه مثل فردي يستثنى من القاعدة العامة والاستثناء لا قياس عليه ولا يتوسع فيه - ولكنه يؤسفني كل الأسف أن أقرر أن هذا الذي تعدونه استثناء، هو القاعدة التي يتوسع فيها ولا يقاس إلا عليها، وبحسبنا نظرة إلى كتاب من كتب النقد التي تدرس في المدارس حتى اليوم، فإننا نجد بيتين مثلاً يعقبهما النقد الذي يطلب إلى التلميذ أن يقوله، موضوعاً تحت الأبيات، يلزمه أن يقول إن في البيت إطناباً وحشواً، وركاكة في التعبير، وضعفاً في المعنى، أو يقول: إن في البيت جزالة في التعبير، وطرافة في المعنى، والنقد فيما نعلم، ذوق وتذوق، وليس ألفاظاً ونصوصاً، ولكنه في وزارة المعارف، هو هذه الكلمات التي أسمعها لكم الآن، بحيث يأتي الامتحان في آخر العام، والممتحن ملزم أن يسأل التلميذ في نص من هذه النصوص المقررة، والتلميذ ملزم أن يجيب بهذه الألفاظ المكررة، فإن رأى في الأبيات رأياً غير رأي واضع النصوص، فهو لاشك ساقط، وأقول لاشك لا استنتاجاً، وإنما عن علم، فهكذا درس لي النقد، وهكذا درس لمن أعرفه من زملائي وأخواني، وهكذا يدرس الأدب في المدرسة، فهو علم محفوظات، لا ماء فيه ولا استرواح، يمسك الذهن فلا يطلقه ويحده، وكان من شأنه أن يفسحه.

ذكرت الأدب مثلاً لأنه الفن الوحيد الذي يستطيع المدرس أن يجعل منه شيئاً جميلاً في أذهان الطلاب، فإن كان هذا الفن يسام هذا الخسف، فما الخطب بالجغرافيا والتاريخ والكيمياء والطبيعة. . كلها علوم جامدة مستعصية، ولكن الطريقة التي تتبع في المدارس اليوم تزيدها جموداً واستعصاء، وأيسر مثال لهذا أنني اليوم لا أفهم من الكيمياء كلها إلا أن الماء يتكون أكسوجين وأيدروجين فيه ١، ٢ أيهما الواحد وأيهما الاثنان، نسيت. أما باقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>