المتنبي) وأبو منصور عبد الملك الثعالبي (٤٢٩هـ) صاحب كتاب (أبو الطيب المتنبي: ماله وما عليه).
وأنت تستطيع من هذا الثبت التاريخي في حياة النقد الأدبي أن تستشف الخطوط الأولى في حياة النقد وأن تكشف اللثام عن معالمه الكبرى، ولعلك ترى معي أن الأصفهاني - رغم ما نسب إليه المؤرخون من مشاركة في (النقد الأدبي) - لم يترك لنا سفراً مخصصاً في حياة النقد كما فعل معاصروه الذين ذكرناهم لك. وأكثر من هذا ترى أن الصولي الذي كان أسبق منه في الزمن قد ترك لنا ما يصح أن نعتبره دستوراً قديماً في تاريخ النقد وهو كتاب (أخبار أبي تمام). ومن ذلك نعلم أن القول بمشاركة الأصفهاني في تدوين دعائم النقد الأدبي قول أجوف لا يستريح إليه الباحث المحقق، وعلى العكس من ذلك فإنك ترى الثعالبي - وهو آخر من ذكرتهمفي ثبت النقاد - ترك كتاباً خاصاً في النقد هو كتاب (أبو الطيب المتنبي: ماله وما عليه) ومع أن الكتاب في جملته كان صورة معادة لما جاء به سلفه الصاحب بن عباد، ولكنه على أي حال كتاب مفرد أورد فيه صاحبه كل ما ذكره الصاحب في نقد المتنبي وأضاف إليه شذرات في تاريخ الحياة النقدية وما دار بين المتنبي والصاحب من عصبية كان لها الفضل الأكبر في خلق شطرين من النقاد: شطر يتعصب للمتنبي وآخر يتعصب للصاحب.
وإذا تجاوزت معي دائرة تاريخ الأدب ودائرة النقد انكشف لك ما كان محجوباً عليك من أمر الثعالبي وشخصيته العجيبة، ورأيت كيف كان الرجل يمثل عدة أجيال في جيل، ويصور عدة مدارس في شخص واحد.
ولعل أول ما يلفت الباحث منزلة الرجل في تاريخ البلاغة، فقد انقضى القرنان: الثالث والرابع والبلاغة لا تتجاوز في مؤلفاتها الخطيرة كتاب (البديع) لأمير المؤمنين عبد الله بن المعتز، وكتاب (نقد الشعر) للكاتب قدامة بن جعفر و (كتاب الصناعتين) لأبي هلال العسكري. فلما أن كان أواخر القرن الرابع ومستهل القرن الخامس وكان الثعالبي استظلت البلاغة في ظل المدرسة الأدبية المتحررة التي أسسها ابن المعتز منذ قرن ونصف من الزمن، وكانت علومها وقتئذٍ تسمى (البديع). وقد نضج البديع عند الثعالبي نضوجاً ملموساً واتسعت أبوابه عما كان عليه. فأنواع البديع التي كانت لا تتجاوز سبعة عشر نوعاً في