مدرسة ابن المعتز صارت في مدرسة الثعالبي خمسة وثلاثين نوعاً، شرحها الثعالبي في كتابه (روضة الفصاحة وبهجة البلاغة في علم البديع).
والثعالبي الذي أعتز بذاتيته في تاريخ الأدب لا ينساها حين يحدثك عن أنواع البديع، كما أنه لا ينسى أن يبدأ كتابه هذا بمقدمة فنية تناسب طبيعة المدرسة الأدبية التي كان يرأسها. وأنت تلمس ذلك حين يعرف لك الفصاحة والبلاغة، ويوضح الغرض منهما. وهو يسمى علم البديع - أو علوم البلاغة على حد تقسيمنا اليوم - علم الأدب. ويريد به الوسيلة التي تؤد بك إلى صناعة الأدب.
وهو لا يكاد يحقق هذه النهضة البلاغية التي شرحناها حتى يطالعنا بأخرى حين يضع كتباً مفردة في البديع، يجعل كل كتاب منها خاصاً بالحديث عن نوع معين من أنواع ذلك العلم.
من هذه الكتب كتاب (النهاية في الكناية) وكتاب (الإعجاز والإيجاز) وكتاب (المتشابه أو أجناس التجنيس). وتعتبر هذه الكتب في تاريخ البلاغة أول محاولة في الأبحاث البلاغية الخاصة أو المفردة في باب واحد من أبوابها. وأنت حين تقرأ الأخير منها تحس بروح النظام والمنهج الثابت الذي لا يعتريه الاضطراب والملل كما كنت تحس ذلك دائماً في (يتيمة الدهر) حين أرخ للشعراء والكتاب. وهكذا يفتح أمامنا فتحاً جديداً آخر.
ثم نتقدم خطوة رابعة فنرى أن الثعالبي الذي شارك في تاريخ الأدب والنقد وعلوم البلاغة - نراه - يرفع القواعد من المدرسة اللغوية كما رفعها من مدرسة البديع. وهنا يضع أمامنا كتابه (فقه اللغة وأسرار العربية) على نحو خاص يخالف فيه أصحاب المعجمات في وضعهم؛ حين يرتبون مفردات اللغة ترتيباً أبجدياً ثم يأخذون في تفسير معانيها. فالثعالبي لا يذهب في كتابه هذا مذهب ابن دريد (٣٢١هـ) في (الجمهرة) والأزهري (٣٧٠هـ)(في التعذيب) والصاحب بن عباد (٣٨٥هـ) في (المحيط) وابن فارس (٣٩٥هـ) في (المجمل) والجوهري (٣٩٨هـ) في (الصحاح) - مع ما بينهم من اختلاف جزئي. ولكنه يجعل المعاني محور منهجه وأساس بحثه، فيذكر لك المعنى ثم يسرد ما يدخل تحته من ألفاظ. وهو في ذلك يرتب الألفاظ ترتيباً زمنياً أو تصاعدياً أو تنازلياً أو نوعياً حسب جوهر المعنى الذي يذكره ومقتضاه.
وأرجح كثيراً أن ابن سيدة الأندلسي (٤٥٨هـ) تأثر به حين وضع كتابه (المخصص) مع