للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجشع، وبعضها تحت مطارق الذل، وبعضها تحت مطارق الإرهاب. . . وكلها. . كلها ما كان أحوجها إلى لمسة من ذلك الروح، تنفض عنها الخوف والمطامع، وتطهرها من الحرص والجبن، فتتطلع إلى أعلى دون انحناء، وتعتز بالجبار القاهر فلا تعفو منها الجباه.

انتفضت كل هذه المعاني انتفاضة مفاجئة في نفسي، وأنا أمر مروراً عابراً بتلك الآية القصيرة الواضحة البسيطة. . فإذا جبابرة الأرض كلهم في عيني أقزام. . وإذا طغاة الأرض كلهم في حسي أوهام. . وارتسمت في نفسي بحروف من نور كلمات أخرى من ذلك القرآن.

(أأرباب متفرقون خير؟ أم الله الواحد القهار؟)

لا بل الله الواحد القهار، الله أحنى له الرأس مرة، ثم أنظر من عل إلى جميع الرؤوس. الله أسجد له مرة، ثم أنهض لأحتقر الجبارين، الله تستمسك يدي بعروته، ثم ليكن بعد ذلك ما يكون.

بعض من يختانون أنفسهم، ويخونون الإنسانية كلها معهم، يراودوننا على أن نفقد هذا الإله بعدما وجدناه! يراودوننا على أن نجرد نفوسنا من هذه القوة الكبرى. يراودوننا على أن نواجه قوة الشر والظلم دون سلاح.

إنهم يختانون أنفسهم، وإنها لخيانة للبشرية كلها في كفاحها الطويل، كفاحها ضد الظلم والشر، كفاحها ضد الحرص والجشع، كفاحها ضد الهوى والشهوة، كفاحها ضد الضعف والترهل، كفاحها ضد العبودية التي استبدت من قبل بالإنسان.

إنها معركة طويلة الأمد، فما أحوج الإنسان فيها إلى إله، إله واحد لا معبود للناس سواه.

سيد قطب

<<  <  ج:
ص:  >  >>