لم أكن (علم الله) من الملمين بعلم الدين. وكنت أحس من نفسي عجزا وقصورا، عن معالجة تلك المسألة، ولكني رغم هذا رأيت أن أحاول معالجتها ما استطعت إلى ذلك سبيلا. . وجعلت أجهد فكري أيما إجهاد. وخيل لي أني أرى أمامي سبلا كثيرة فجعلت أسلك كلا منها، ولا أزال أتبعه إلى نهايته، ثم أعود فأسلك طريقا آخر فأجتازه إلى غايته: وكانت كل خطوة تدفعني إلى خطوة أخرى حتى أبلغ نهاية المرحلة. . .
وهكذا سلكت في تفكيري وبحثي طرقا شتى. وعجبت إذ ألفيتني أصل في كل مرة إلى غاية واحدة، ويسلمني البحث إلى شيء واحد. . فقد كان ينتهي بي التفكير دائما إلى التوحيد. . . . . .
لعل روح الإسلام إذن هو التوحيد. . وهل أراني بلغت الغاية حين رست بي سفينة الفكر على ذلك الساحل الأمين؟ أليس التوحيد أن يقصد الناس بجسدهم وبروحهم وجه الإله، ولا ينصرفوا عنه إلى سواه؟ وألا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله؟. . وأن نرتفع بأنفسنا عن عبادة المال والتكالب على جمعه. . وعبادة الشهوات التي تسترقنا وتذلنا. . أليس التوحيد إذن هو الذي يعلو بأنفسنا عن كل دنيء مهين، ويرقى بنا إلى سماء كلها طهر وصفاء؟
فيم التردد إذن؟ إن روح الإسلام هو التوحيد.
جالت بنفسي هذه الخواطر، وجعلت أرددها في صدري مرارا فلا تزداد إلا ثباتا ورسوخا. وخيل إلي إني اهتديت إلى إجابة صريحة (لا لبس فيها ولا إبهام) على السؤال الذي سألته صباح ذلك اليوم.
وكنت أخشى ألا ألتقي بصاحبة السؤال إلا بعد أيام، فأردت أن أرسل إليها الجواب في طي كتاب فتناولت قلما وورقا، وأوقدت المصابيح، وجعلت أسطر ما جال بخاطري في شيء من الإسهاب والتفصيل، كي لا يبقى في صدر القارئة ذرة من الشك في صحة ما استقر عليه رأيي.
وأعدت تلاوة الكتاب مرارا، واطمأننت إلى إنه يؤدي كل ما جال بنفسي أحسن الأداء. وكنت بهذا فرحا طروبا. ثم طويت الكتاب، ونهضت لأحمله إلى دار البريد.
في تلك الساعة كان المطر ينهمر مدرارا. فجلست إلى جانب النافذةانتظر عله يكف أو