وظل الرجل صامتا، حتى إذا بدت له الحيرة في وجهي، قل لهم قولوا له شيئا واحدا: عل قرأت عن محمد؟ قلت نعم. قال: عل عرفت ما دعا إليه وصنعه؟ قلت نعم. قال هو ما نريده.
وكان في هذه الكلمات القليلة ما أغناني عن الكثير مما حاول بعض أنصار البنا أن يقولوه لي
. . لفت نظري إلى هذا الرجل سمته البسيط، ومظهره العادي، وثقته التي لا حد لها بنفسه، وإيمانه العجيب بفكرته.
كنت أتوقع أن يجيء اليوم الذي يسيطر فيه هذا الرجل على الزعامة الشعبية، لا في مصر وحدها، بل في الشرق كله.
وسافرت من مصر بعد أم حصلت على تقارير وافية ضافية عن الرجل وتاريخه، وأهدافه وحياته، وقد قرأتها جميعا وأخذت أقارن بينه وبين جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد أحمد المهدي، والسيد السنوسي، ومحمد عبد الوهاب، فوصل بي البحث إلى أن الرجل قد أفاد من تجارب هؤلاء جميعا، وأخذ خير ما عندهم، وأمكنه أن يتفادى ما وقعوا فيه من أخطاء. ومن أمثلة ذلكم أنه جمع بين وسيلتين متعارضتين، جرى على أحدهما الأفغاني، وارتضى الأخر محمد عبده.
. . كان الأفغاني يرى الإصلاح عن طريق الحكم، ويراه محمد عبده عن طريق التربية. . وقد استطاع حسن البنا أن يدمج الوسيلتين معا، وأن يأخذ بهما جميعا، كما أنه وصل إلى ما لم يصلوا إليه، وهو جمع صفوة المثقفين من الطبقات والثقافات المختلفة إلى مذهب موحد، وهدف محدد.
ثم أخذت أتتبع خطوات الرجل بعد أن عدت من أمريكا وأنا مشغول به حتى أثير حوله غبار الشبهات حينا، مما انتهى إلى اعتقال أنصاره، وهي مرحلة كان من الضروري أن يمر بها أتباعه، ثم استشهاده قبل أن يتم رسالته.
وبالرغم من أنني كنت أسمع في القاهرة أن الرجل لم يعمل شيئا حتى الآن، وأنه لم يزد على جمع مجموعات ضخمة من الشباب حوله، غير أن معركة فلسطين، ومعركة التحرير