يخرجه منه حتى يقول شعرا. وهنا أقسم الشاعر أيضاً أنه لن يتكلم سنة إلا بالقرآن أو. . . لا إله إلا الله، وتلك حيلة بارعة من الشاعر. . فهو يعطي الخليفة سنة كاملة كي يصحح موقفه فيها فإن رجع لصوابه وزوجه من عتبة عاد إلى حظيرته. . وإن أبى إلا إهمال الشاعر والاستهانة بشأنه انضم إلى معسكر الفضل وزبيدة غير آسف ولا متردد، ولم ينس الشاعر أن يكتب إلى الخليفة من سجنه بأشعار ذات مغزى واضح، أنظر إليه وهو يجادل الرشيد جدالا منطقياً ويعجب له كيف يطلب إليه أن يقول شعراً في الحب وقد حرمه من عتبة التي كانت تلهمه ذلك الشعر: -
وكلفتني ما حلت بيني وبينه ... وقلت سأبغي ما تحب وما ترضى
فلو كان لي قلبان كلفت واحداً ... هواك وكلفت الخلى لما يهوى
ثم انظر إليه وهو يذكر الرشيد بمواعيده التي لا تنتهي إلى غاية: -
يا رشيد الأمر أرشدني إلى ... وجه نجحي لا عدمت الرشدا
وابلائي من دعاوى أمل ... كلما قلت تدانى بعدا
وأمني بغد بعد غد ... ينفد العمر ولم ألق غدا
ومضت السنة ولم يستجب الرشيد أو قل لم تستجب عتبة لدعاء الشاعر الذي لم يجد بدا من الانضمام إلى المعسكر الآخر، متخذاً لنفسه أسلوباً جديداً في الحياة، يفي بأغراض زبيدة والفضل ويقضي حاجات في نفسه هو، وتلك الحاجات هي التنفيس عن عواطفه المكبوتة، والتعبير عما بكنه للحياة والأحياء من سخط ونقمة.
وبعد فقد بينا هنا ما كان للفضل وزبيدة من أثر في ذلك الانقلاب الذي طرأ على الشاعر سنة ثمانين ومائة للهجرة، وسنكشف في المقال التالي بعون الله تعالى عما لدينا من أدلة تثبت أن اتفاقاً كهذا قد تم بين الفضل وزبيدة من جهة وأبي العتاهية من جهة أخرى.