للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الربيع حجابة الرشيد في تلك السنة، وأخذ يضع الخطة لتقويض سلطة البرامكة، وسلاحه الأول في ذلك الدس والوقيعة، ذلك السلاح الفتاك الذي استعمله والده بنجاح ضد منافسه أبي عبيد الله وزير المهدي. ولكمن أنى له ذلك وهارون وجعفر البرمكي روحان في بدن واحد وجالس المنادمة والغناء تجمع بينهما من يوم لآخر، فإذا ما شربا وطربا تكاشفا حتى لا يكاد يخفي أحدهما عن أخيه شيئاً. فكيف يكون الحال لو كذب الفضل كذبة أو افترى فرية وألقى بها في أذن الرشيد فاكتشفها جعفر ولما تعمل عملها في نفسه بعد؟

لابد إذن لضمان نجاح خطة الفضل والتأكد من سريان سمومه في ذهن الرشيد ومن وضع حد لتلك المجالس الصاخبة التي تجمع بينهما، فلينتزع الفضل من مجلسهما إذن أبا العتاهية حتى لا يشيع البهجة والمرح فيه بما يمدهما به من شعر الغناء، بل ولتوحد الوسيلة للتشهير بتلك المجالس، وليذكر الناس بما فيها من مخالفة للدين، ولتوضع الأشعار للتنفير منها وممن يرتادها من الناس.

ومن أولى بأداء تلك المهمة من أبي العتاهية فهو ساخط على الرشيد بل ساخط على الحياة والأحياء جميعا، وهو رجل حريص يحب المال ويسعى إليه ولا يبالي يما يركبه من أهوال في سبيل الحصول عليه، وهو قبل كل ذلك شاعر مطبوع قادر على قول الشعر في كل فن وبكل مناسبة. فاتح الفضل أبا العتاهية في ذلك الأم، وأيأسه من هارون ومن عتبة ووعده الحماية من كل سوء أو مكروه يصيبه بسبب إعراضه عن الرشيد وهجره لمجالسه، ووعده إلى جانب ذلك مالاً كثيراً إن أنصت إليه واستجاب لرجائه. وانضمت زبيدة إلى الفضل، فهي حريصة على وضع حد لمجالس اللهو والطرب التي كان يجلسها الرشيد لأسباب لا تقل وجاهة عن تلك الأسباب التي حملت الفضل على بغضها والعمل على فضها، إذ أن تلك المجالس تجمع بين الرشيد والجواري الحسان من مغنيات وراقصات وعازفات، وفي ذلك ما فيه من استهواء للرشيد وشغل له عن زوجه وابنة عمه زبيدة.

وما إن سمع الشاعر ذلك العرض حتى قرر أن يقف من الرشيد موقفاً حازماً لا تردد فيه ولا هوادة، فأخبر الرشيد أنه لن يقول شعراً في الحب ما لم يخط خطوة عملية في شأن تزويجه من عتبة التي تلهمه ذلك الشعر.

وتعقد الموقف حين ثارت ثائرة الرشيد. . فأمر بإرسال أبي العتاهية إلى السجن وأقسم إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>