للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خمسين ألف درهم عدا ما يتفضل به الخليفة من منح وعطايا في شتى المناسبات، بل أخذ يلح عليه في أن يزوجه من عتبة، ولم لا؟ لقد كانت عتبة فيما مضى تعتذر عن الزواج بأنها كانت تخشى غضب المهدي أو زوجه. . أما الآن وقد ماتا وأصبح أمها بيد هارون فما الذي يقف في سبيل زواجه منها؟ ولم يكن الرشيد متحمساً لذلك الزواج، ولعله كان يعرف من أمر عتبة الشيء الكثير، وبعلم مقدما أنها لن توافق عليه، ومن ثم أخذ يكسب الوقت بإعطائه ميعاداً إثر ميعاد، واستمرت الحال على ذلك عشر سنوات كاملة. عشر سنوات ملأت الشاعر نقمة على ذلك الخليفة الذي يشرب ويطرب على ما أنشده الشاعر في عتبة من أشعار أودعها ذوب قلبه وعصارة نفسه، ثم لا يتحرك لإنقاذه أو يخف لتخفيف آلامه. نعم يروى المؤرخون أن الرشيد زار عتبة يوما من الأيام وفاتحها في شأن الزواج من أبي العتاهية فرفضت، فعاد الخليفة أدراجه واعتبر الأمر منتهيا. وما كان الشاعر من السذاجة بحيث يعتقد أن هارون مع ما كان عليه من بطش وجبروت قد عجز عن أن يحمل عتبة على الزواج منه لو أنه أخذ الأمر بشيء من الحزم والجد. وهكذا وقر في نفس الشاعر أن عشر سنوات كاملة كلها إخلاص وتفان في خدمة الرشيد ما كانت لتوجب للشاعر عليه وقفة واحدة حازمة، وقفة لو أنها تمت لغيرت من حياة الشاعر وذهبت بكل ما كان يعانيه من بؤس وحرمان، وما يحسه من ضعة وهوان. ومن الحق أن يقال إن عتبة لن تكن في نظر الشاعر مجرد فتاة ينالها أو يفشل في الحصول عليها، وما كان أهون خطبها لو كانت كذلك، فما أكثر أولئك الذين يحبون ويفشلون ثم لا يغير ذلك الفشل من مجرى حياتهم أو يضع من أقدارهم أو يسئ علاقتهم بغيرهم، ولكن لشاعرنا ظروفا خاصة. فقد كان فشله في الزواج من عتبة الدليل الواقعي على صحة ما كان يهجس في نفسه وما يتحدث به أعداؤه ومنافسوه من أنه وضيع بحكم مولده ونشأته. . وأن أي نجاح أدبي أو ثراء مادي لن يغير من تلك الحقيقة شيئا. . ومكن ذلك المعنى في نفسه إشارة عتبة أثناء رفضها الزواج منه إلى نشأته المتواضعة. ومن ثم ود الشاعر لو بدد تلك الهواجس التي كانت تلاحقه واكتسب ثقة بنفسه عن طريق الزواج من عتبة.

ونعود إلى هارون فنرى الشاعر وقد مل مقامه عنده وغناءه له، وتمنى أن لو وجد بابا غير بابه يذهب إليه، وقد سنحت له الفرصة سنة ثمانين ومائة للهجرة، فقد تولى الفضل بن

<<  <  ج:
ص:  >  >>