للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخطأ فيها ما طرأ من تغير على مكان الفكر من حياة الناس وعلى الصور التي تتمثل فيها الأخلاق. إلى أن قال: والناس في عصرنا هذا لم يفقدوا الإيمان وإنما شكوا فيما يؤمنون به، ولم ينكروا الأخلاق وإنما التمسوا لها وجوها غير التي اصطلح عليها القدماء، ولم يهجروا الكثير من الفضائل الفردية التي عكف عليها الأولون إلا ليستبدلوا بها فضائل اجتماعية ذهبوا إلى أنها لا تقل فضلا.

ثم عرض للاتجاه إلى المدنية الغربية، فقال إذا كانت المدنيات كلها قد وات وجهها شطر المدنية الغربية فإن ذلك ليس إعجابا بها أو خضوعا لقوتها، بل يرجع إلى أن طبيعة التفكير البشري في جوهرها واحدة، وأن كل ثقافة لا يقف بها النمو ستجد نفسها تسير على نهج يؤدي بها إلى ما يشبه المدنية الغربية.

ثم قال: وكان أول ما اتصلت الأسباب بيننا وبين التفكير الغربي تلك المؤلفات التي كتبت في خلال القرن التاسع عشر يسيرة هينة التفكير بسيطة الأسلوب رقيقة المعنى، فيها ظرف وإعجاب يشبه إعجاب المراهقين بالكبار، ثم تبين بعد قليل أن السير بطئ لن نبلع به ما نبغي بعد أن سبقنا الغربيون بقرون، فهرولنا وأخذنا بجرع من الحضارة الغربية جرعا قويا نروي به ظمأ شديدا، وأهل البدو - وهم أعلم الناس بالظمأ - يقولون: الجوع أروى والرشيف أنقع. ونحن لا نزال نفضل الري على النقع، ولا يزال فينا أثر الهرولة التي أغرمنا عليها إرغاما.

وذكر صفات للتفكير عندنا، فعد منها الهرولة وأتى ببعض مظاهرها، ثم قال: ومن تلك الصفات الكلاسيكية المبكرة، والكلاسيكية تعني في العادة المحافظة على أسلوب خاص من حيث لشكل وحده، ذلك أن كل تفكير صادق أو فن جديد ينشأ معه أسلوب في التعبير خاص به، ثم لا يزال ينمو حتى يبلغ درجة من الكمال يعترف بها الماس، حتى إذا نفد ما في هذا التفكير أو الفن من قوة في الشكل يرجى لذاته.

إلى أن قال: وعلينا أن نقتل الفصاحة فينا فهي شكل محض، وأن نتجاهل البلاغة فقد أصابنا منها شر كثير، وألا نضع للأسلوب قواعد الجملة فالقاعدة الوحيدة للجمال هي أن يكون الشيء جميلا. ثم قال: وأول ما يجب علينا عمله أن نترك وراءنا ظهريا كل ما حملنا عليه من هرولة وتمويه، ولنقلع عن المجاراة والاحتذاء، فقد بلغنا من الحياة الفكرية مبلغا

<<  <  ج:
ص:  >  >>