للصلاة، أو يعكفون على القرآن وكتب الحديث، أو يخطبون للجمعة، أو يوقظون إخوانهم ليجتمعوا على أداء حق ربهم!
وهو يصور لنا في سخرية أولئك المتطفلين من المستغلين الذين ينهرون الناس ليظهروا بمظهر الغيرة الدينية، أو يحاولون أن يثبتوا تدينهم بشتم الذين تقعد بهم أعذار قاهرة عن القيام الباكر لصلاة الفجر، وأولئك الذين يجلسون مجلس الفتيا وبضاعتهم كلمة من شيخ أو خطبة من واعظ أو فتوى من عالم. وما أكثر ما تجد هؤلاء، وما أكثر ما تجد منهم، وما أكثر ما يجنون على أنفسهم وعلى غيرهم وعلى دينهم أيضا.
وهو يصور لنا أفاعي اليهود، يتمتعون في معتقلاتهم ويسمرون ويشربون ويقيمون الحفلات راقصة معربدة، وهم في خفارة رجال الأمن، وربما أشركوهم معهم في الطرب والفجور. فأما الإخوان المسلمين، فتصادر حرياتهم، وتقطع على ظهورهم بطون السياط، ويذهب بهم إلى الطور صاغرين واجمعين، ويوقفون صفوفاً أمام شرطي صغير يأمرهم وينهاهم فلا يردون له أمراً، ولا يخالفون له نهياً، وترد إليهم معونات وإغاثات من أهليهم فلا يصل إليها أيديهم.
وأبشع ما يطالعك من هذه الصور هذا الذي يشيع في الكتاب كله، من فوضى القساوة التي يلاقيها المعتقلون، فكل أحد يستطيع أن يغيظهم وأن يسطو بهم وأن يتحكم فيهم: متعهد الطعام، ومندوب الصحة، وقومندان المعتقل، وحراس الأبواب، وكل من اتصل بهم بسبب قريب أو بعيد.
والعجيب أن يتمالأ هؤلاء جميعاً على النكاية بهذه الصفوة المختارة، فإن دل ذلك على شيء، فعلى تغلغل روح الفساد والانتهاز في طبقات الأمة دون استثناء. وأعجب من هذا أن تكون الأحكام العرفية - في بعض الأحيان - أداة لخلق الفتنة، ورد الأيدي في الأفواه، والجريمة الكبرى أن يدعي البطشة الفجرة أن بغيهم وعدوهم إنما هو استجابة لرغبة كريمة. فلعمري ذلك اللؤم المضاعف!
الصور لا تنتهي. . فأينما رميت ببصرك في هذا الكتاب طالعتك صورة معتمة مؤلمة. وأنت بين ذلك واجد صوراً مشرقة وضيئة في صور التعاون والتضامن الذي تخلقه المشاركة الوجدانية في المحن الرازئة، وصور الإبداع والاختراع الذي تظهره الحاجة