الملحة، وصور الصفاء الروحي والمراقبة التي يدافع إليها العجز المطلق وضيق الحيلة والأمل في القوة الغالبة التي تعنو لها القوى جميعاً، وصور الحنين إلى الحرية التي يوحي بها الأسر الظالم والبطش الغاشم. وصوراً أخرى لا يبلغها الإحصاء وكلها واضحة ناطقة أبلغ النطق، صادقة أنصع الصدق، مؤثرة أبعد التأثير!
وفي الكتاب على ذلك مآخذ لولا أن الأستاذ صديق عاقل لأعفيناه من الخوض فيها. . مآخذ لا تشين الكتاب، ولو أنها تورث هذه الصور كلما من بعض الجوانب. . فالأستاذ حريص الحرص كله على أن يذكر دائماً بأنه رجل خطيب وأن له جهوداً ملحوظة في نشر الدعوة، وأن له أتباعا وأحباء. . وشهد الله أن ذلك صدق خالص، ولكن الكريه فيه أن يكون حديثا على لسان صاحبه وبقلمه، وقبيح بمثل الأستاذ أن يذكر بذلك ويكرره حتى يجد القارئ في نفسه استكراها وملالة من معاودته، وأخشى أن أقول أنه ربما أفضى به هذا الإلحاح العنيف إلى إصغار الكاتب والتهوين من أمره، ومثل هذا العيب جار في كتب كثيرة للأستاذ؛ نرجو أن يبرأ منه في كتاباته المقبلة إن شاء الله.
وأحسب أن من ذلك ما ذيل له كتابه من تقريظ مهما يقل فيه، فهو غال غلوا شديداً ليس من السداد إثباته، وليس هو بالأثر الأدبي حتى يغتفر للأستاذ وصله بكتابه النافع، فسائر هذه التقريظات غاية في الغثاثة والتفاهة، ومن ذا الذي يكتب كتاباً أو مذكرة ثم لا يجد من طلبته - وهم كثر - من يقرظه بمثل قول (الشاعر) فيما يقول الأستاذ للمؤلف: -
لا أظن أنني أقف الأستاذ على جديد إن أنا زعمت له أن ذلك شين عائب لكتابه هذا. ولا أظن أنني أذكر منه ناصيا، إن أنا لفته إلى أن الكتاب حق القارئ، وليس حقا له حتى يشجع صغار تلاميذه على حساب القراء!
تلك هفوة. . وأخرى أن الأستاذ ربما ظن أنه وقف موقفا كريما بدفاعه عن الأزهر. وشر ما فعل بهذا الدفاع الذي لا يرعى الحق. فالإخوان يقومون بلب اللباب من رسالة الأزهر. ومجاد الأزهر كادت تلفها الالتفاف لولا هبة الإخوان. فإذا لم يرفع الأزهر صوتا بالاحتجاج، ولم يستطع إظهار غضبته من أن يكون التدين سبة وداعية للاضطهاد