للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- قط؟ وماذا تعمل بهيكلي العظمي؟ ها! ها! هذا لا يهم فإنني أمزح.

وكيف أجعلك تتصور أنه كان في هذين التجويفين اللذين تجردا من لحمهما عينان سوداوان يتلألأن بأنواع السحر والفتنة؟ أو أن الابتسام الذي كان يضئ هاتين الشفتين الورديتين لا يشبه في شيء هيئة الضحك العابس التي عرفتها، وعندما أذكر كل المحاسن والرشاقة ومتانة هاته الانحناءات التي كانت في شرخ الشباب تتفتح كالأزهار فوق هذه العظام النخرة لا أستطيع أن أكتم ابتسامي. وإني لأتألم من ذلك. وهل يستطيع مشاهير العلماء في زمن أن يفرضوا أن عظام جسم مثل هذا تخصص لدراسة تشريح العظام؟ وعلم أن طبيبا من الشبان المجاورين لنا شبهني بزهرة (الشمباك) الذهبية؟

حينما أمشي كنت أشعر بأن أقل حركاتي تفجر أمواجاً منسجمة تنبعث من كل وصب كلألاء الماس. كانت تمر على ساعات وأنا أشاهد في يدي اللتين كبلتا برشاقة الرجال الذين يتأجج فيهم نشاطهم.

ولكن هذا الهيكل العظمي قد أخفي عنك الحقيقة كشهادة الزور، ولك يكن في ميسوري أن أدحض تأكيداته الوقحة. أشعر أنني أحب أن أطرد النعاس من عينيك إلى الأبد بأن أستحضر أمامك الصورة الوردية الحية لجمالي بحث أمحو من أمامك كومة العظام المشؤومة التي تملأ ذهنك.

- كنت أستطيع أن أقسم بجسمك إذا كان لم يزل حيا، ولو أنه لم يترك منه أي أثر من العظام؟ لكن عقلي افتن بالصورة الوضاءة لجمال كامل يظهر بهاءه بقوة التضاد هذا الليل الفاحم الذي يحيط بها، وإني لا أقدر أن أقول أكثر من هذا.

- استمر الصوت في حديثه قائلا: لم تكن لي صاحبات لأن أخي الوحيد صمم على عدم الزواج. كنت وحدي في خدري وقد اعتدت أن أستلقي في الحديقة في ظل شجرة، وكانت الأحلام تستدرجني في يقظتي حتى خلت أن العالم كله قد شغفه حبي، وأن الدراري التي ما فتئت مستيقظة على الدوام لتثمل من نشوة بهائي. إن الصبا لتتنهد حينما تنتحل هلا عذراً لتتمسح بي يجناحها. وإن داست قدمي مرحاً فإن مجرد اللمس يفقده رشده. وإن فتيان العالم يظهرون أمامي كأنهم أعواد الكلأ تحت قدمي، ولا أدري لأي سبب يلازمني الحزن والكآبة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>