(ثم تابعت حديثي قائلة والابتسام يعلو وجهي: هل نسيت زواجك؟ قد آن المسير).
وقد فاتني بعض التفصيل، فإني قبل هذه المدة قد هرولت إلى العيادة وأخذت مها مسحوقا ووضعته خفية في كأس الطبيب.
لقد شرب الطبيب كأسه بجرعة واحدة ثم قال لي بصوت متهدج من التأثر مصحوب بنظرة أخترقت فؤادي:(سأذهب) صدحت الموسيقى بأنغامها الشجية، ثم ذهبت إلى خدري ولبست ثوب الزفاف المنسوج من خيوط الذهب والفضة وتزينت بحلي ووضعت على شعري العلامة الحمراء التي تميز الزوجة وذهبت إلى الأشجار لأهيئ مضجعي.
وكان الليل جميلا وقد ذهبت رياح الجنوب المنعشة بمتاعب الدنيا؛ وقد تضوع شذا الياسمين والورد حتى غمر البستان البشر والفرح.
وكان أصوات الموسيقى تصل إلى سمعي أضعف مما كانت عليه، وطفق لألاء القمر آخذا في النقص، وانمحت من ذاكرتي الدنيا وصورة بيت الأسرة كأنها وهم تبدد ثم أغمضت عيني وأنا مبتسمة.
وقد تخيلت أن الذين سيقبلون لمشاهدة بسمتي الأخيرة المنطبعة على شفتي كأنها آثار نبيذ وردي، وأني سأدخل في مخدع زفافي الدائم ووجهي مضيء بنفس الابتسامة.
وا أسفاه على مخدع زفافي وثوب عرسي المنسوج المن الذهب واللجين! لأني حينما استيقظت من فرقعة العظام التي يخيل إلى أنها صادرة من هيكلي العظمي وجدتني في حضرة ثلاثة غلمان يتعلمون تشريح العظام في هيكلي. وفي هذا الصدر الذي كانت تخفق فيه أفراحي وأتراحي والذي تفتحت فيه وريقات زهرة صباي كان الأستاذ يبين بسبابته عظامي واحدة فواحدة، هلا وجدت أثرا من هذا الابتسام الذي درسته بكل عناية؟