وتسابقتم في العلم والفن، وفي القتل والتخريب، تهدمون في ساعة، ما تبنونه في سنين، فعل الأطفال والمجرمين والمجانين!
وها أنتم هؤلاء تتسابقون، أيكم أسرع إلى إهلاك البشر، بحرب شيطانية مدمرة لا تبقي ولا تذر. فمتى يستريح هذا الركب المجنون، الراكض المسرع، الذي يقفز كأنه يدوس على ظهور العقارب، ويجري كأن شياطين الجحيم جميعا تطارده
متى يسأل نفسه: ما الغاية، وما المصير؟
متى يقف لينظر إلى أين بلغ، وإلى أين المسير؟
أين يلقى المحطة في هذا السفر الطويل الذي لا غاية له، ولا أول ولا نهاية
في رمضان!
في رمضان يا أيها القارئ
هذه هي المحطة التي أقامها الإسلام في طريق البشرية لتقف عليها وقفة كل عام، تفرع فيها من هم البطن، وهم ما تحت البطن، ليسأل كل نفسه: من أنا؟ من أين جئت وإلى أين أصير؟
من أنا؟ أنا خط طويل، أقله في النور، وسائرة في الظلام، لقد كنت قبل أن اعرف نفسي، وسأبقى بعد ما يذهب عقلي وحسي، ولو حق لي أن أنكر مصيري بعد الموت لأني لا أراه، لحق لي أن أنكر ماضي قبل الولادة لأني ما رأيته.
وما أحوج أبناء هذه الحضارة اليوم إلى مثل هذه المحطة في طريق الحياة!
ما أحوجكم إلى من يذكركم بأن في الوجود ربا، وأن بعد الدنيا آخره، وأن الله ما خلق الناس عبثا، ولا تركهم سدى.
إنكم أغنى منا مالا، وأقوى قوة، وأكثر عمرانا، وأعرف منا بأسرار المادة وسنن الكون، ولكننا أغنى منكم بكنوز الروحيات، فتعالوا خذوا منا، فإن الإنسان قد عاش بلا علم ولا مال، ولكنه لا يعيش بلا روح.
ولقد جعل الإسلام الصلوات الخمس كل يوم، لتعود الروح في هذه اللحظات، إلى عالم الروح، وجعل الصيام شهراً في العام لينطلق الإنسان من إسار المادة شهراً في العام، ويحس اللذائذ العليا، ويتصل بالله