المدينة. وأصدرت أمرها بأن يؤدي التحية لقردها كل من يدخل عليها، ولم تكن تقنع ممن يدخل عليها كبيرا كان أو صغيرا بأقل من تقبيل يد أبي خلف. وقد ظل أبو خلف موضع الحفاوة والتقدير حتى دخل يزيد ين مزيد على زبيدة في بعض الشؤون وطلبت إليه أن يقبل يد قردها، فما كان من ذلك القائد الصعب المراس إلا أن استل سيفه وشطر القرد نصفن. وحزنت زبيدة لموت قردها حزنا شديدا وعزاها فيه الناس واستدعي الرشيد يزيد وطلب منه تفسيرا لما فعل بأبي خلف فأجاب: ما كنت لأخدم القردة بعد خدمة الملوك يا أمير المؤمنين. وهكذا يبدو أن المؤرخين لا يرون في أمر أبي خلف إلا عبثا بريئا من زبيدة. ونحن لا نشاركهم هذا الرأي، وأول ما لفت نظرنا إلى ما يمكن خلف ذلك العبث الظاهري من معان هو الشبه بين اسم القرد (أبو خلف) ولقب الرشيد (الخليفة) وتأويل ذلك أن زبيدة وقد ضاقت ذرعا بالرشيد أرادت أن تسخر منه في شخص ذلك القرد الذي أقامته مقام الخليفة بما أحاطته به من مظاهر العظمة من سيف في وسطه وحرس من حوله. . وما من شك في أنها كانت توجه إلى ذلك القرد من النكات اللاذعة ما يشق عليها أن توجهه إلى الخليفة نفسه. ولعلها أرادت إلى جانب ذلك أن تخبر الرشيد بأنه إذا كان قد وجد عوضا عنها في الجواري يخلو إليهن ويسعد بلقائهن، فقد وجدت هي الأخرى عوضا منه في ذلك القرد الذي يضحكها بما يأتيه من حركات أو يرسله من نظرات، وما من شك في أن الرشيد قد عرف ما تهدف إليه زبيدة واستاء له أشد الاستياء. . فكلف يزيد بن مزيد بقتله. وما كان استجوابه له فيما بعد إلا خدعة أراد بها استرضاء زبيدة
أما وقد فرغنا من الحديث عن علاقة الشاعر بزبيدة والفضل ابن الربيع فواجبنا أن نتحدث عن علاقته بالبرامكة خصوم الفضل. . وهو ما سيكون موضوع حديثنا في المقال التالي إن شاء الله تعالى