للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من التظاهر بالرضا بذلك الوضع، بل ذهبت في مجاملتها إلى أبعد الحدود فأهدت الرشيد عشر جوار اعتذارا عما أبدته من غيره لا مبرر لها. هكذا يروي المؤرخين، ونحن لا نستبعد أن تكون زبيدة إنما أهدت إيه هؤلاء الجواري لتشغله عن دنانير التي أشعلت في نفسها أحر نيران الغيرة

ويقع الرشبد في حبال جارية أخرى فتهرع زبيدة لا إلى أعمام الخليفة كما فعلت من قبل، بل إلى أخته علية التي أقسمت لزبيدة لتجتذبن الخليفة إليها ثانية. وذات ليلة بينما كان الخليفة جالسا بفناء قصره أقبلت علية وزبيدة كل على رأس صف من جواريها وقد لبسن أفخر ثيابهن وأخذن يغنين:

منفصل عني وما ... قلبي عنه منفصل

يا قاطعي اليوم لمن ... نويت بعدي أن تصل

والحق أن المرء لا يكاد يتصور ذلك المنظر حتى يشعر بالرثاء لتلك الملكة التي دفعتها غيرتها الشديدة إلى مثل ذلك الموقف الذي لا تحسد عليه. ومع أن قصص زبيدة كثيرة إلا أننا نختتمها بالقصة التالية لما فيها من طرافة. وخلاصتها أن الرشيد هام يوما بجارية تسمى عنان، وكانت عنان هذه شاعرة من الطبقة الأولى، وكان الرشيد يعتذر عن تعلقه بها كلما خوطب في شأنها بأنه إنما يحبها لشاعريتها. وأوهت زبيدة إلى الأصمعي أن يحتال في تنفير الخليفة من عنان بوسيلة ما. . ووعدته على ذلك أجرا عظيما. وما زال الأصمعي يترقب فرصة للوثوب على فريسته حتى قال الخليفة يوما وقد ذكرت عنان في مجلسه: علم الله أنني لا أهتم بها إلا لشاعريتها. . فقال الأصمعي: هلا أحب أمير المؤمنين الفرزدق إن كان ما يعينه من عنان هو شاعريتها؟ وهنا ضحك الرشيد وضحك الحاضرون معه وهدأت فورة حبه لعنان ولو إلى حين

ويظهر أن زبيدة قد نفد صبرها ولم يعد لها قدرة على احتمال اللطمات المتوالية التي يكيلها لها هارون، فراحت تأثر منه بحيلة بارعة، وقد يكون من الخير أن نذكر تفاصيل تلك الحيلة كما يرويها المؤرخون ثم نذكر رأينا الشخصي فيها. يروي المؤرخون أن زبيدة كان لها قرد يسمى أبا خلف، وأنها كانت تعني به عناية زائدة، فكانت تقلده سيفا وخصصت له ثلاثين شخصا يقومون على خدمته ويسيرون بين يديه في شبه موكب كلما قام بجولة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>