فلا تنظر إلى ولا تردني ... ولا تقرب حبالك من حبالي
فليت الردم من يأجوج بيني ... وبينك مثبتا أخرى الليالي
فكرش إن أردت لنا كلاما ... ونقطع قحف رأسك بالقتال
ولم يكد ينجو من لسان الشاعر أحد من رجال الدول، وما حميد الطوسي وخازم بن حزيمة ويحي بن خاقان وعمرو بن مسعدة إلا بعض من شملهم الشاعر بإيذائه لأتفه الأسباب. نحن لا نشك في أن الشاعر كان مريضا مرضا نفسيا دفعه إلى بغض ذوي الجاه والنفوذ في عصره كما ذكرنا من قبل، ومع ذلك فنحن لا نشك في أنه ما كان ليسرف في هجومه ذلك الإسراف لو لم يكن له ركن شديد يأوي إليه كلما أوقعه لسانه في مأزق، وما حدث القاسم السالف الذكر إلا مثال واحد يبين لنا سر قوة الشاعر وإسرافه في عدوانه
ويظهر أن صلة الشاعر بزبيدة والفضل قد أكسبته جاها عريضا ومركزا رفيعا في الدولة، فأبو الفرج يروي أن منصور بين المهدي طلب إلى الشاعر أن يزوجه إحدى ابنتيه، وما كان منصور هذا بالضعيف ولا الخامل، وحسبك أن تعلم أن أهل بغداد قد عرضوا عليه الخلافة حينما اضطرب أمرها نتيجة للحروب التي كانت بين الأمين والمأمون. ويظهر أن منصورا كان حازما عاقلا إلى جانب نباهة شأنه وعلو قدره، وآية ذلك أنه رفض الخلافة وعمل في الوقت نفسه على تهدئة الفتنة وجمع كلمة الأمة
وقد ظلت صلة الشاعر بزبيدة وثيقة إلى آخر أيامها، فنراها تلجأ إليه حين قتل أبنها الأمين واحتاجت إلى أبيات من الشعر تستعطف بها المأمون، وقد أحسن الشاعر ترجمة شعورها فرضى المأمون عنها واكرمها، وسأل عن صاحب الأبيات وكافأه بمثل ما كافأته به زبيدة
وإنا لنراه لزاما علينا وقد تعرضنا لما كان لزبيدة من أثر في حياة شاعرنا نتيجة لغيرتها أن نذكر أمثلة لما كانت تثيره في نفسها من تلك الغيرة المريرة من عواطف وتدفعه إليها من أعمال. من تلك الأمثلة ما كان حين أحست تعلق الرشيد بجارية تدعى دنانير. وقد كانت دنانير هذه مملوكة ليحيى بن خالد البرمكي، وقد بلغ من افتنان الرشيد بها أن كان يزوها في بيت سيدها من وقت لآخر، وأهداها إلى جانب ذلك عقدا قيمته ثلاثون ألف دينار. نسيت زبيدة كبرياءها وراحت تشكو الخليفة إلى أعمامه، وقد كان رده عليهم حين خاطبوه في شأن دنانير إنه إنما يعينه منها غناؤها فقط ولا يهتم بشيء وراء ذلك. ولم تجد زبيدة بدا