للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرشيد من أشعار الحب ما يغريه بالجواري كما كان يفعل من قبل، بل يضرب للرشيد المثل فيما يجب أن يفعله في حياته الخاصة من الاقتصار على امرأة واحدة، وما تلك إلا زوجه وابنة عمه زبيدة، وكأنه يقول للخليفة إن حياة الاستقامة والزهد التي يستقبلها لا تستقيم له إذا فكر في أخرى بجانب زوجه. ولا شك أن الترويج لمثل تلك الأفكار يسر زبيدة ويثلج صدرها، ألا ترى أنها قد أغرت بعض جواريها بأبي نواس يضربنه حتى أشرف على الموت حين استباح لنفسه أن يتحدث إلى الرشيد في جمال الجواري وعذوبتهن؛ ثم عادت فأجزلت له العطاء حينما علمت أنه انتفع بالدرس القاسي الذي ألقته عليه وأخذ ينفر الخليفة من أولئك الجواري وينصحه بالاقتصار على زهرة قريش، وما كان يعني إلا زوجه وابنة عمه زبيدة. أليس ذلك هو نفس ما فعله أبو العتاهية في أبياته سوى أنه كان لبقا في خطابه فبدأ وكأنه يتحدث إلى نفسه. . وإنما كان يتحدث إلى الخليفة

هذا بعض ما كان من مظاهر تشيع أبي العتاهية لزبيدة. أما ما كان من تعصبها له ومناصرتها إياه فقد كان معروفا غير مجهول. وقد تحدثت عنه كتب الأدب في غير موضع، ومثال ذلك ما كان من مناصرتها له حين اختلف مع القاسم بن الرشيد وأحد ولاة عهده. فقد وقف الشاعر إجلالا للقاسم حين مر به موكبه ولكن الأخير تجاهله ولم يلتفت إليه فأنشأ:

يتيه ابن آدم من جهله ... كأن رحا الموت لا تطحنه

وبلغ ذلك القاسم فأحضر الشاعر وضربه مائة ومقرعة وحبسه عنده، وما كان من أبي العتاهية إلا أن أرسل إلى زبيدة يشكو ما أصابه في أبيات لا تختلف في معناها عن البيت السابق، وما لبثت زبيدة أن كلمت الرشيد في أمره فاستدعاه إليه وكساه ولم يرض عن القاسم حتى بر الشاعر وأدناه واعتذر إليه

وليس القاسم هو الأمير الوحيد الذي يبسط فيه الشاعر لسانه غير هياب ولا وجل، بل نراه يغلو في إيذاء أمير آخر هو صالح المسكين عم الرشيد ويهدده بالقتل في أبيات غاية في الجرأة والتهور:

مددت لمعرض حبلا طويلا ... كأطول ما يكون من الحبال

حبال بالصريمة ليس تفنى ... موصلة على عدد الرمال

<<  <  ج:
ص:  >  >>