للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

به باب الرشيد فأمر بصرف المال أجمع إلى بعض جواريه، فاستعظم الناس ذلك وتحدثوا به، فرأيت أبا العتاهية وقد أخذه شبه الجنون فقلت له: مالك ويحك؟ فقال لي: سبحان الله أيدفع هذا المال الجليل إلى امرأة ولا يتعلق كفي منه بشيء! ثم دخل إلى الرشيد بعد أيام فأنشده:

الله هون عندك الدنيا وبغضها إليكا

فأبيت إلا أن تصغر كل شيء في يديكا

ما هانت الدنيا علي. . . أحدكما هانت عليكا

فقال له الفضل بين الربيع يا أمير المؤمنين ما مدحت الخلفاء بأصدق من هذا المدح، فقال يا فضل: أعطه عشرين ألف درهم. ولم يقتصر هذا التعصب للشاعر والترويج له على عهد الرشيد. بل ظل الفضل على وفائه للشاعر حتى عهد الأمين. ومثال ذلك ما كان من الفضل حين ذهب إليه الشاعر بنعل مكتوب على شراكها:

نعل بعثت بها ليلبسها ... قرم بها يمشي إلى المجد

لو كان يصلح أن أشركها ... خدي جعلت شراكها خدي

فدخل بها الفضل إلى الأمين وأهداها إليه فاستخلص بها عشرة آلاف درهم للشاعر

أما تشيع الشاعر لزبيدة فقد بدا واضحا في أشعاره المختلفة التي كان يخدم قضيتها بها كما سنشرحه في حينه، ونقتصر الآن على مقطوعة واحدة أنشدها لأول خروجه من سجن الرشيد حين قرر أن ينظم إلى معسكر زبيدة والفضل

من لقلب متيم مشتاق ... شفه شوقه وطول الفراق

طال شوقي إلى قعيدة بيتي ... ليت شعري فهل لنا من تلاق

هي حظي قد اقتصرت عليها ... من ذوات العقود والأطواق

جمع الله عاجلا بي شملي ... عن قريب وفكني من وثاقي

لا يرى مؤرخو الأدب في هذه الأبيات إلا احتيالا من أبي العتاهية للخروج من سجن الرشيد الذي أقسم ألا يخرجه حتى يقول شعراً في الحب. وأما نحن فنرى فيها شيئا آخر إلى جانب ذلك بل وأهم من ذلك. نرى فيها مبادرة من الشاعر إلى البر بالعهد الذي قطعه على نفسه لزبيدة بأن يلتزم جانبها في كل ما يقوله للرشيد من أشعار. وها هو لم يعد ينشد

<<  <  ج:
ص:  >  >>