بينما نجدهم في الغرب يعترفون بها ثم يعلون السيء منها، ويهذبون ويتناولون النزاعات المختلفة فيوجهونها التوجيه الصحيح، بل إن بعض المدارس تعتبرها نقطة البدء في تكوين الشخصية، والأساتذة في كل الأدوار يشركون طلابهم في تثقيف أنفسهم، فلا يجعلونهم آلات استقبال فحسب. بل يتدربون معهم حتى يعرفوا ميولهم فيذكونها، ولا يمكن أن يصل الأستاذ إلى هذه المعرفة أو يعتقد أن هذا الجالس أمامه آدمي له عقل يفهم وينتج، وليس آلة تسجيل تلتقط لتحف
أنهم في الغرب يهتمون بالشخص ليخلقوا منه مثقفا فيخلقوه، ونهتم نحن بالمواد لتخلق منها أشخاصا فنقتلهم
جرت العادة عند كل مقارنة بيننا وبين الغرب أن نسب أنفسنا لنمدحهم وكم كنت أتوق لغير هذا، ولكنني أعتقد كما سبق أن قلت. . . أن أولي درجات الثقافة أن يعرف المرء بجهله حتى يسعى إلى العلم، فلابد لنا أن نعرف مكاننا حتى نسعى إلى ما هو أرفع منه، ونحمد الله، فقد علم القائمون بالأمر أين نحن ومدارسنا من الثقافة الحقيقية، فقاموا ويحاولون أن يقربوا بين الناحيتين المتناثرتين
فتألفت لجان تنعقد في هذه الأيام لتنظر في المقررات والمناهج وطرق التدريس؛ وتحاول أن تزيل عنها الأتربة المتكاثفة وتجلوها موائمة للتربية الحديثة، ومن بين هذه اللجان تألفت أخريات لوضع الكتب التي تتمشى مع النظم الجديدة المقترحة، وإلى جانب هذا أنشئت المدارس النموذجية محاولة للتحرر من قيود التقاليد العتيقة، فأصبح التعليم فيها يهدف إلى أن تطبق التلاميذ ما تعلمونه، وفي بعض العلوم الأخرى يجدهم يقدمون التطبيق على القاعدة العامة
وهكذا راحت هذه الأجنحة من التجديد تريش متحفزة للتحليق، والنية إن صدقت والعزم إن مضى سامقان بالتعليم المهيض إلى سماوات الثقافة الحقة فتصبح مع هذا الغرب العنيد في سماء واحدة، وإن أملنا إلى السماء أقرب بماض لنا عبقري وأمل لنا مرتقب، والله من فوقنا هو الهادي وهو المولى ونعم النصير. .)