إنها مأساة في صورة مهزلة، تتعرض لها كرامة هؤلاء الشبان الكرام، الذين تركوا أهلهم ووطنهم في طلب العلم، ليعودوا فيكونوا النواة الأولى في الأداة الحكومية الحديثة المستنيرة في اليمن. وكل ملم بحالة هذا القطر العربي الشقيق يدرك مدى حاجته لعشرات من أضعاف هؤلاء الطلاب، كي يدخلوا النور إلى ذلك القطر، وكي ينقلوه إلى العالم الإنساني المتحضر
ولقد كان المنتظر أن توالي الحكومة اليمنية إرسال أفواج جدد من الطلاب بعد أفواج إلى البلاد الإسلامية المتحضرة، كي يتعلموا ثم يساهموا في إنشاء وطنهم، ولا أقول في تقدمه، فهو أولا في حاجة إلى الإنشاء!
إن الحكومة اليمنية جديرة بأن تحقق في هذه المأساة لترى من هو المسؤول عن إهانة كرامة طلاب البعثة وهم في غير وطنهم الأصيل. لا بل لترى من هو المسؤول عن إهانة كرامة الحكومة اليمنية ذاتها وسمعتها في العالم الإسلامي على ألسنة البدالين والقصابين وبائعي الخبز واللبن في حلوان!
وإلى أن تقوم الحكومة اليمنية بهذا التحقيق، فإنني أستصرخ أمانة جامعة الدول العربية هنا لتسرع بتقديم الإسعافات الضرورية لحفظ حياة سبعين طالبا مهددين بالجوع والعطش وقطع التيار الكهربائي، بل مهددين بالإيذاء من الدائنين الذي طال صبرهم في انتظار مخصصات الطلاب، وانطلق ألسنتهم بالسخرية والنكات اللاذعة، موجهة للطلاب المساكين!
إنها مأساة لا ترضاها دولة في القرن العشرين
سيد قطب
عتاب إلى أدباء السودان
على أثر المقال الذي نشرته في مجلة (الرسالة) الغراء بعددها ٩٨٢، الصادر في ٢٨ أبريل سنة ١٩٥٢. والموسوم بـ (نماذج من الشعر السوداني الحديث)، حمل إلى بريد مصر والسودان طائفة من الرسائل يعبر بضعها عن حسن ظن مرسليها بأدب أخيهم الكاتب وحبه العروبة في أنحاء المعورة كافة؛ ويحمل البعض منها لونا طريفا من العتاب هو أشبه ما يكون بهمسة المحب على الحبيب، أو الصديق إلى الصديق، وها أنا أعرض ثم أعلق