ولعلك تؤيد هذا الزعم الذي ذهبت إليه إذا علمت أن أكثر الأمثال العربية التي دونها لنا القدماء من مؤرخي الأدب العربي ترجع في وضعها إلى هؤلاء الشعراء الجاهليين
وقد كان شعراء الصعاليك - وهم الرعيل الأول من شعراء العصر الجاهلي - اعظم حظا وأوفر نصيبا من إخوانهم في هذا الباب. ولعل ذلك يرجع إلى استعدادهم الفطري البالغ وتفاعلهم الصريح بالبيئة العربية الصارخة التي أبدعت هذا اللون من الأدب النثري. واشتهر من بين هؤلاء جماعة كثيرون عرفوا بضربهم في فيافي الجزيرة وتصرفهم في مجاهلها. نذكر منهم على سبيل المثال:(تأبط شرا) و (أبا الطمحان القبني) و (السليك بن الملكة) و (والشنفري)
وقد كانت هذه الأمثال وليدة أحداث ووقائع اعترضت هؤلاء الشعراء في حياتهم. قيل: لما أسر أسيد بن جابر (الشنفري)، قال إخوان أسيد للشنفري: أنشدنا. فقال:(إنما النشيد على المسرة) فأرسلها مثلا. وحكوا أن (السليك: سار ليلة على رجليه رجاء أن يصيب شيئا ثم نام، وبينما هو نائم جثم عليه رجل وقال له: استأثر، فرفع السليك رأسه قائلا (الليل طويل وأنت مقمر) فذهبت مثلا حدث كل ذلك والعرب في بيئتهم، ونطقوا به منجما وفق أحداث الحياة ووقائعها، ولم يرثوه عن أجدادهم تلقينا وتوقيفا كما ورثوا مفردات اللغة وإنما تحكمت البيئة في الاصطلاح والتواضع عليه
ولم يكد يظهر الإسلام وينتشر في بقاع الأرض شرقا وغربا حتى نمت هذه الأمثال - كما نمى غيرها من آداب اللغة - إلى ألسنة المتأدبين والناطقين بالعربية من عرب وأعاجم. ولكن قافلة الأمثال لم نسلك الطريق الذي سلكته قافلة الرسائل وغيرها من صور النثر. أريد أن أقول: إن تاريخ الأمثال العربية يغاير في نشأته وتطوره تاريخ الكتابة والرسائل مغايرة تامة. ذلك لأن الأمة العربية لم تنشأ حاجتها إلى الكتابة المنظمة والرسائل المدونة التي نقرأها في كتب الأدب إلى حين تعقدت الحياة واتسعت رقعة الدولة واحتيج إلى العمال في الأقاليم لإحصاء أمور الإمبراطورية الإسلامية وتنظيم سياستها الداخلية والخارجية. أما الأمثال فإنها لم تتحدد بهذا الزمن أو تختنق في هذه الدائرة الضيقة أو تتوقف على هذه الأسباب لأنها من الحياة اليومية في الأسرة والمجتمع. وقد كانت ولا تزال في كل زمان ومكان من الرجل الساذج والعامي والجاهل ومحدود الثقافة في الوقت الذي كانت فيه ولا