للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تزال من الكاتب الكبير والأديب المبتكر. بل ربما كانت عند الساذج والجاهل أوفر استعمالا من غيره

ومن هنا نستطيع أن نعلل كيف كانت الأمثال أسرع فنون النثر تطوراً، وكيف سلكت طريقها في الجاهلية وصدر الإسلام والعصر الأموي وهي تنمو نمواً مطرداً. إنها لم تتأخر إلى هذا الحين الذي نشأت فيه الكتابة الديوانية؛ التي جودها عبد الحميد الكاتب وأستاذه سالم. بل سلكت طريقها صعداً إلى الأمام منذ مولدها على لسان العربي في بيئته الجاهلية، وتلونت بالحياة الاجتماعية في شتى أحوالها وأطوارها وصورها المختلفة في التاريخ؛ ذلك لأنهما - كما قدمت - كانت جزءا من لغة الحياة وزخرف القول الذي لابد للناس منه في كل يوم

وهنا لا نعجب إذا رأينا أن تطور الأمثال لم يقف أو يجمد في اليوم الذي وقفت فيه وجمدت حياة الكتابة الديوانية أواخر القرن السابع ولا شك أنك ترى معي أن هذا راجع إلى السبب الأول نفسه - وهو أن الأمثال من الأدب اليومي عند العامي والبليغ على السواء. فظاهر الاستعمال والتفاعل مع الحياة اليومية هي التي حفظت للأمثال رونقها وأبقت عليها حياتها

وثمة فارق آخر تتميز به الأمثال عن غيرها من فنون النثر، ذلك أن هذه الفنون الأخرى حين جمدت في أواخر القرن السابع صارت صوراً أدبية قديمة كلاسيكية لا وجود لها في واقع حياتنا اليومية، فلم يستطع أحد من الأدباء المتأخرين أن ينقلها إلى واقع الحياة، كما لم يستطع العامة أن ينقلوها إلى لغتهم الدارجة أو تأخذ مكانها من نفوسهم وحياتهم التي تتطور يوما بعد يوم. لقد عجزت هذه الفنون عن مواصلة حياتها لأنها جفت قبل أن تصل إلى أيدي العامة واستعمال سواد الناس لها، على حين تلونت الأمثال تولناً سريعاً بعاميتنا العربية وخاصة في العصرين: المملوكي والتركي. واستطاعت خلال هذه الحقبة الطويلة أن تخوض معركة العامية وأن نحرز النصر وأن تكسب جائزتي (التحرر) و (الخلود) معاً - دون أخواتها من فنون النثر. ومن ثم فرضت نفسها على الحياة كما فرضت العامية نفسها

ولعلك تعجب كثيرا حين ترى سبعة أعشار لغتنا العامية - اليوم - من هذه الأمثال. فلا تكاد تسمع أحداً ممن يتكلمون بالعامية الصرفة أو العامية المهذبة لا يستعمل هذه الأمثال

<<  <  ج:
ص:  >  >>