للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان مصطفى على الرغم كم عناده وصلابته، شديد الذكاء قوي الملاحظة - وكانت أمه تنظر إلى حياته الجديدة، فتشعر بالأسف العميق لأنها لم تسطع أن تحقق الأمنية التي أرادها له أبوه، وهو أن يدخل المدرسة العالية، كما أنه - في نظرها - لم يخلق للقرى والحقول، والسير طولب حياته وراء الماشية، لذلك ظلت تبذل جهودها حتى التحق ولدها بالمدرسة من جديد. . .

وجعل مصطفى يتابع عمله في المدرسة بجد وعناية حتى أكمل تعليمه بها، فاقترح عمه أنه يلحقه بالمدرسة العسكرية في سالونيك، وكان مصطفى ميالا بطبيعته لحياة الجندية، يقول في مذكراته عن هذه الفترة (كان يسكن في البيت المجاور لنا - طالب بالكلية الحربية يدعى (أحمد)، وكنت أحسده كلما التقيت به، على هندامه الجميل، وكذلك كنت كلما التقيت في الطريق بضابط يسير مرتديا ثيابه الزاهية الخلابة، أقف مبهوتا؛ وأنا أتابعه بنظري، لذلك ما كدت أنتهي من دراستي الابتدائية حتى صممت على أن أدخل الكلية العسكرية لأصبح ضابطا أزين جسمي بالملابس العسكرية الجميلة. .)

التحق مصطفى بالمدرسة العسكرية، فأظهر نبوغاً وتفوقاً على أقرانه، مما جعل أساتذته يوصون بنقله إلى مدرسة حربية أخرى ولما أكمل علومه بالمدرسة الجديدة، التحق بمدرسة أركان الحرب في القسطنطينية حيث تخرج فيها برتبة (يوزباشي)

وكان مصطفى خلال هذه الفترة قد تطور تطوراً غريبا، فلم يعد ذلك الطفل الصغير الذي يلهو عابثاً في الحقول، أو يتشاحن مع أحد أقرانه لأمر تافه بسيط، فقد تعلم الفرنسية أثناء دراسته وقرأ كثيراً من الكتب الثورية مع صديق له يدعى (فتحي) قرأ فوتير وروسو، وهوبز، وجون سيتورات ميل، كما اشترك في جمعية (الوطن) وهي جمعية سرية تعمل على محاربة الاستبداد السياسي، وتحطيم القيود الأجنبية، وأخذ يكتب النشرات الحماسية ناقداً فيها سياسة السلطان ورجال الدين وداعياً إلى تحطيم القيوم، ومحاربة الظلم والاستبداد، على اختلاف صوره

كانت تركيا في ذلك الوقت تحت حكم السلطان (عبد الحميد) الذي وقف عقبة في سبيل الحركات الإصلاحية الكبرى، والذي ألغى مجلس النواب ليصيح الحاكم المطلق في تركيا - والذي فرض رقابة شديدة على الشعب، حتى ذكروا أنه ما من ثلاثة تكلموا معا في أمر

<<  <  ج:
ص:  >  >>