استطاع بعدها أن يملي شروطه على الدول الأوربية الكبرى. . فمزق معاهدة (سيفر) التي كانت الحكومة الشرعية قد قبلتها. . وأجلى اليونان عن الولايات التي كانت قد احتلتها، وأرغم الدول على التسليم باستقلال الوطن التركي في معاهدة (لوزان)، وبذلك كانت تركيا الدولة الوحيدة التي رفضت صلحا يملي عليها إملاء. . أو معاهدة تفرض عليها فرضا. . ولم يكن تخليص الوطن التركي من المستعمرين إلا مقدمة لسلسلة الإصلاحات الجريئة التي قام بها أتاتورك. . والتي أعطت لتركيا مظهر الدولة المتمدينة العصرية
- ٢ -
ولد مصطفى كمال سنة ١٨٨١م. . . في مدينة سالونيك. . . وهي بلدة إغريقية الأصل، وكان أبوه (علي رضا) موظفا صغيراً في الجمارك. . وأمه (السيدة زبيدة) من أسرة محافظة تتمسك ما استطاعت بالتقاليد الموروثة، لذلك كانت أمنيتها الكبرى. . أن ترى وحيدها مصطفى في مدرسة دينية إسلامية حتى يصير شيخا من شيوخ الدين. . .
أما والده فكان يرغب في أن يثقف ولده ثقافة غربية. . وكان الفوز لأبيه في النهاية، فدخل المدرسة وعمره سبع سنوات وقد غادر أبوه بعد ذلك وظيفته. . استعدادا للحياة الجديدة، وما تتطلبه من نفقات - فاشتغل تاجر أخشاب. . . ولم يلبث إلا قليلا حتى مرض مرضه الأخير وما قبل أن يرى ولده في المدرسة العالية. . .
وجدت الأم نفسها وحيدة في (سالونيك) ولم يكن هناك من يرعى شؤونها، ويتولى أمورها. . بعد أن فقدت زوجها وعائلها. . وكان معها من هو أحق منها بالعناية والرعاية. . لذلك وجدت نفسها مرغمة - أمام قسوة الحياة - لأن تنتقل مع صغيرها. . إلى منزل أخيها. . وكان مزارعا في قرية قريبة من المدينة. .
وهناك في وسط الحقول. . نسى مصطفى المدرسة والعلم وأقبل على حياته الجديدة. وعاش كما يعيش صبيان القرية في أحضان الطبيعة. . ونعم بحرية لم ينعم بها من قبل في (سالونيك)
وظل هكذا عامين كاملين حتى بلغ من العمر إحدى عشرة سنة، أكتسب فيها خشونة الفلاحين في طباعه، كما أتكسبها في بنائه الجسمي، ولم يعد يرضخ لمشيئة أمه كما كان حاله من قبل