تكتب الردود على التعازي. . وقد فرغت سريعا من هذا الواجب ثم أخذت تقلب أوراق زوجها وهي لا تزال مبتسمة. ولكنها لم تكد تقرأ اثني عشر سطراً حتى قطبت جبينها وعرتها دهشة، لأن الذي كانت تقرؤه إنما هو النص الأخير لوصية زوجها؛ وهو يحرمها كل شيء ويهب تركته كلها لابنه. وكان تاريخ هذا النص قبل أسبوع واحد من الوفاة، وعلى والوصية توقيعات شهود من الأحياء. فجلست تفكر فيما سيؤول إليه أمرها لأن البقية الباقية من ذلك العمر ستكون حياة فقر مدقع. ولذلك كان الإغراء الذي تجد نفسها تحت تأثيره قويا جدا، فهو ليس بين الشرف وبين انعدامه، ولكن بين الغنى وبين الفقر. وكان عمرها إذ ذاك خمسين عاما وهي لا تستطيع التكسب بوجه من الوجوه. ورأت أنه إذا لم يكن أحد ليذيع أمر هذه الوصية فلماذا لا تلزم الصمت؟
وحملت الوصية في يدها ومشت إلى الموقد ولكنها وجدته خالياً. وكانت من قبل ذاهلة عن ذلك وعن أن الليل كان قد انتصف. وكادت تمزق الوصية ولكن الخادمة في هذه اللحظة دخلت ووقفت واجمة فسألتها:(ماذا تريدين؟)
ابتسمت الخادمة ولم تجبها فقالت:(ما الذي تعنين؟)
فحاولت المرأة أن تضحك ولكنها لم تستطع. وقبل أن تتحرك أية حركة كانت الخادمة قد اختطفت من يدها الورقة التي ستتركها في فقر مدقع فصرخت تلك صرخة يأس، وحاولت أن تسترد الوصية
وعلى الرغم من التفاوت في السن فإن الخادمة كانت أقوى المرأتين فاستطاعت التغلب على سيدتها. وتلت الوصية في هدأة ثم قالت بعد الفراغ من ذلك:(لقد فهمت الآن)
قالت الأرملة:(لقد وجدت هذه الورقة منذ دقيقة فقط وأردت أن. . .) فقالت الخادمة مقاطعة: (أردت أن تحرقيها لو كان في الموقد نار)
ثم مضت فترة صمت قالت بعدها الخادم:(من حسن حظك أن أكره المستر وليم ابن سيدي المرحوم، فإذا سلكت مسلكا حكيما فإنه لن يعلم أحد بأمر هذه الوصية)
سمعت المرأة هذه الكلمات فأثلجت صدرها لأنها كانت شديدة الخوف من الفقر، فاستدعت الخادمة وأجلستها بجانبها وعرضت عليها اقتسام الثروة بينهما وأن تدفع لها ألف جنيه مقدما