للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن الطريف أن طغيان العلم، وما خلفه من آلات الدمار الذري وقنابل الجراثيم، قد وفر لرجال الدين في أوربا وأمريكا فرصة حسنة للدعوة وترويج المبادئ الدينية، فالوعي الباطني للمجتمعات في أوربا وأمريكا يرتجف هلعا من القنابل الذرية، والبحوث والإرشادات للوقاية من ويلات هذه القنابل وملحقاتها لم تبعث في هذا المجتمعات أملا في النجاة والوقاية التامة، وإنما زادت خوفهم خوفا، وحين يتطرق الواعظ الديني في كنيسته - على سبيل المثال - إلى موضوع القنبلة الذرية وأهوالها، ويقول لسامعيه بأن ابن آدم يعبث بآلات علمية، ولا يدري إلا الله مدى شرورها وأهوالها، وان المخترعات الحديثة هي وليدة الصدفة، وليست وليدة العقل البشري الجبار، والدليل على ذلك عجز هذا العقل البشري عن استنباط الوقاية من هذه الشرور العلمية. حين يتحدث الواعظ بمثل هذا المنطق يجد لدى سامعيه آذانا صاغية، وهذه الآذان لا يهمها في أكثر الحالات أن تدرك عظمة الألوهية بقدر ما ترغب في الخلاص من مخاوفها وقلقها. فإذا عجز العلم عن إزالة هذه المخاوف وإبادة هذا القلق، فلا مفر من أن يجد المرء السلوى في القضاء والقدر والعناية الإلهية.

ومن هذه الظاهرة يلمس المراقب للحياة الدينية في الغرب الرغبة بين الأوساط الدينية البروتستانتية والكاثوليكية بإقحام الدين في الحياة السياسية والنشاط الاقتصادي، وهي محاولة لا تعلن صراحة عن رغبتها في إعادة وصل الدين بالدولة، فالفكر الغربي قد وطد في أسسه الجوهرية مبدأ فصل الدين عن الدولة، وإنما ترغب في أن يتسرب التفكير الديني إلى صميم السلوك السياسي والاقتصادي، ليحاول صياغة سياسة الحرب والسلم بلون من الإشعاع الديني، بعد أن سيطرت عليه القوة الماردة، قوة العلم وما خلفه من معاول للحرب والتوسع الاقتصادي.

وبين البروتستانت والكاثوليك خلاف على أساليب الوصول إلى هذا الهدف؛ فالفاتيكان، وان كان راغبا في توطيد السلم والإخاء، والحد من استعمال آلات الدمار الجهنمية التي استنبطها العلم؛ إلا أنه يفضل لو تم هذا السلام بعد القضاء على الشيوعية واقتلاع جذورها، ولو كانت الوسيلة إلى ذلك حربا عالمية جديدة، إلا أن البروتستانت - أو على الأقل طائفة من أبرز زعمائهم - يعتقدون بان الحرب الطاحنة، إذا حلت بهذا العالم فإنها لن تقضي على الشيوعية فقط، بل إنها ستقضي على معالم الحضارة المسيحية الغربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>