فبهره بجودة حفظه وألمعية ذكائه،. . ثم كان ابن حنبل من تلاميذه.
وقد التقى حين قدم العراق بأبي يوسف ووكيع، وبذلك يمكن القول أن الشافعي قد أحاط بالفقه الإسلامي في عهده واستوعبه استيعابا كان كفيلا بان يجعله عميد الفقهاء وإمامهم في عصره، فهو الإمام الذي وضع الموازين والمقاييس، وضبط الفقه، بعد أن جادل الفقهاء وانتصر عليهم.
فإذا تركنا الحديث في فقه الشافعي للفقهاء، وذهبنا نتقصى (شخصيته) الإنسانية وجدناها غاية في القوة والسمو والحيوية، وتعدد الجوانب وسعة الأفق، وذلك بالإفاضة إلى ما أثر عنه من براعة وذكاء.
يتحدث الذين عاصروه عنه، أنه كان محببا إلى نفوس عارفيه، وكان إشعاعه ولباقته وحسن حديثه يكسبه حب الناس وثقتهم. . مما كان يزيد عدد أتباعه ومريديه يوما بعد يوم.
وأنه قد توافرت له صفات الداعية، صاحب المذهب، هذه الصفات التي تتمثل فيما أثر عنه من طول أناة وحلم، وابتسام ثغر، وإشراق وجه وبعد عن الغضب، وتواضع وخفض جناح وسلامة صدر، وصفح عمن يسئ إليه. . وبعد عن التعصب، وإملاء الرأي. . فقد كان يعذر مخالفيه في الرأي ويقبل منهم.
ويرجع ذلك إلى الإصابة النفسية التي كونت (طابعه) طابع الزعامة، فقد كان (رياضيا) تعلم الرماية وأغرم بها وأجادها، وكان يرمي عشرة في عشرة وقال عن نفسه (كانت همتي في الرمي والعلم).
وقد نقل أسلوب الرياضيين، من ميدان الرمي، إلى حلبة الفقه، فكان واسع الصدر إزاء معارضيه.
وآية قدرته في الإقناع على طريقة الرياضيين، إقناعه الرشيد ببراءته وهو يخوض بحراً من الدماء، فقد صرع أمامه تسعة، استلت السيوف اللامعة أعناقهم، فلما جاء دوره أعطته عارضته القدرة على أن يناقش الرشيد ويقنعه وهو في هذا الجو العاصف، وإزاء هذه الشخصية الجبارة.
لقد أتهم بالعمل ضد الرشيد وحمل مقيداً من اليمن مع عشرة من أصحابه، فلما جئ بهم إلى الرشيد، وضع حدا لأجلهم، أما هو فقد أقنع الخليفة. . قال له وهو بين النطع والسيف. .