(. . يا أمير المؤمنين ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه والآخر يراني عبده. . أيهما أحب ألي؟ قال الذي يراك أخاه! قال: فذلك أنت يا أمير المؤمنين. فلما وضع يده على الخيط. . مضى يثبته بقوة، قال: إنكم ولد العباس وهم ولد علي، ونحن بنو عبد المطلب، فأنتم ولد العباس تروننا أخوتكم، وهم يرونا عبيدهم.
. . . ونجا
وقد بلغ به حب الرماية أن لم يكن جلال السن والإمامة بمانع إياه عن أن يرمي.
وقالوا عنه أنه كان يقصد في لباسه، ولم تعرف له صغيرة، وكان يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل (القرآن) فيسألونه، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل (الحديث) يسألونه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا. . ثم تستوي الحلقة (للمناظرة) والمذاكرة، فإذا ارتفع النهار تفرقوا، ثم جاء أهل (العربية) والعروض والشعر والنحو حتى يأتي المساء. . والشافعي جالس في حلقته لا يضيق بالعلم ولا بالناس.
ولا عجب فقد كان الشافعي أديبا يتذوق الشعر، ويقول أجوده، ويقدر الجمال ويعجب به في مختلف صوره النفسية والحسية، بل لقد كاد أن يكون أديبا خالصا أو فنانا خالصا، لولا أن أتيحت له فرصة دراسة الفقه، فمضى فيه، حتى برز وبلغ القمة. .
وقد روى عن ذكائه وألمعيته وسرعة حفظه الكثير، مما زاد في قوة شخصيته أضف إلى ذلك ما روى من أنه إذا تكلم كان صوته أشبه بالصنج أو الجرس، وكان إذا قرأ القرآن التف حوله الناس، وعجوا بالبكاء. . قال بعض أتباعه (كنا أردنا أن نبكي قلنا قوموا إلى هذا الفتى المطلبي الذي يقرأ القرآن. . فإذا أتينا استفتح القرآن فتساقط الناس بين يديه وكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته)
ومن هنا جاءت قوته كداعية، يستطيع أن يجمع الناس حوله وأن يحببهم إليه، وتلك من الشمائل التي لا تتوافر للكثيرين.، وقديما كان الصوت الجميل وطلاقة اللسان من أدوات الداعية الفذ.
ويرجع السر في فصاحة (الشافعي) إلى أنه أقام بالبادية فلقن اللسان العربي.
وفي المدينة وصل إليه علم (مالك) كله، فقد لزمه حتى مات، وفي بغداد وصل إليه علم (أبو حنيفة) كله بعد أن حمله محمد بن الحسن. . ومن ثم اجتمع له علمان: علم أهل