للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أمه وجده، وعمره سبع سنوات، كان حين يجلس مع صبيان البيت يكف عن النهب وتمتنع يداه، على عكس لداته من الأطفال، مما اضطر عمه أن يعزل له طعامه، وليس لنا أن نقول أن ظهور هذا من محمد (ص) كان ليتمه وشعوره بالوحدة. . كلا فإنه تربى في هذا البيت وألف صبيانه. وإنما ذلك سر إلهي ونتيجة للتربية الصحيحة التي نهجتها آمنة بتربية ولدها لأن للمرأة الأثر المباشر في تربية وليدها وتنشئته، هذا هو أثر آمنة بنت وهب في حياة سيد البشر (ص)

ومنهن مرضعته حليمة السعدية التي مر ذكرها. . وهذه المرأة كانت على جانب عظيم من حسن الطبع وجمال الخلق ورقة القلب؛ فمرضعات بني سعد كن يأتين مكة ليرضعن أبناء أشرافها لضيق ذات أيديهن، ولم تجد حليمة غير يتيم عبد المطلب لترضعه فحركها العطف عليه وهي لا تنتظر من المال ما ينتظره صويحباتها اللواتي رافقنها إلى مكة لغرض الإرضاع؛ فهي لو لم تكن ذات شرف وخلق قويم وقلب رقيق لم يرضع عبد المطلب حفيديه محمدا وأبا سفيان. فهي بني أسد بن بكر بن هوازن تنتهي بقيس يلان. . بقي النبي (ص) عندها أربع سنوات ربته على المروءة والشهامة والصدق والأمانه ثم ردته إلى أهله وعمره خمس سنين وشهر واحد. وقد أحب النبي مرضعته حبا كثيراً حتى أنه لما أخبرته بعد فتح مكة إحدى نساء بني سعد بوفاتها ذرفت عيناه عليها ثم قالت له الناعية: - (أخوك وأختاك محتاجون) فأرسل إليهم ما يحتاجونه. فقالت له تلك الناعية: - (نعم والله المكفول كنت صغيراً، ونعم المرء كنت كبيراً عظيم البركة). . لا ريب في أن الذكريات تلك الساعة عادت برسول الله فتذاكر أيام طفولته وحنو مرضعته عليه وألفته مع إخوانه، إنها لساعة حلوة مرة اختلطت بها ذكريات الطفولة السعيدة وجلال الموت. هذه حليمة التي ذرف عليها دمع النبي (ص) تركت ولا شك أثراً عميقاً بقلبه الرقيق الحساس.

ومنهن أم أيمن (بفتح ميمها) بركة الحبشية مولاة عبد الله أبيه، حضنت محمداً بعد وفاة أمه. ولا ريب في أن هذه المرأة وقد احتواها بيت عبد المطلب وخدمت ابنه عبد الله كانت المرأة بارة بمحمد، تعترف بجميل جده وأبيه، وتقدر أثر اليتم بنفس ربيبها وشعوره به، فأحاطته بعطفها وحنانها، وخففت عنه ذلك الألم وهو الطفل المرهف الحس فاعتاض بها عن أمه، كان لها جميل الأثر في نفسه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>