وحين ترسل المرأة رسالة الحب الأولى إلى القلب الظامئ الخلي من أطراف عينيها، إنما تبعث إليه بأطياف عابرة من سعادة السماء في جنات الخلود وفردوس النعيم.
وحين يحكم الحب القلب الإنساني وتجلس حواء على عرش الحب فيه، إنما تحمل إليه أقوى ما في الطبيعة من جبروت العواصف العاتية، والبراكين الثائرة، والأنواء المزمجرة، والبروق الخاطفة، والرعود المقهقهة، وتشيع فيه فتنة الربيع، وجمال الشفق، وسحر الفجر، وخرير الأمواه، وأغاريد الطيور.
لقد أوشكت حواء يا إلهي أن تنازعك السلطان في الأرض وتصرف عن حبك القلوب؛ عبدها البشر في طفولة الحياة الإنسانية، وشادوا لتلك العبادة الهياكل والمعابد، وما زالت عبر العصور معبودة القلوب؛ هياكل القصور الباذخة، والأكواخ المتواضعة، والخيام الساذجة؛ تركع الحياة ذليلة على أقدامها؛ تعز وتذل، وترفع وتخفض، وتهز الدنيا إذا شاءت بيسارها.
والمرأة كالمرآة الصافية الأديم؛ تظهر جوهر القلب الذي يحمل حبها، فيتراءى في ذلك الجوهر وراء الضباب الكثيف من الدم واللحم، صافيا نقيا. ولذلك كان الحب محك الصفات، وميزان السجايا، ومقياس الضمير؛ فلكم انخفضت نفوس وارتفعت أخرى حين أتصل بها حب المرأة في الحياة.
وكلما تحركت مواكب الربيع المعطار في أعراس الطبيعة؛ توقظ الحياة وتحركها في مواعيدها التي لا تتبدل، أقبلت مواكب القلوب الظامئة في زوارق الشباب، تعبر عباب الزمن إلى الضباب الكثيف وراء الأفق البعيد المجهول.
لم تكن الفنون الجميلة في حقيقتها إلا القرابين؛ قدمتها القلوب راكعة أمام طيف المرأة الساحر الجميل في عصور التاريخ: فالموسيقى، والشعر، والرسم، والنحت، والتمثيل، والغناء، ليست غير الأنين القاتل انبعث من حناجر القلوب، وهي ترفرف محترقة، حائمة، حول قلوب بنات حواء، اللائي قد أقمن حولها ألسنة محرقة من لهيب الجحيم.
شد ما يلقي القلب الذي تناديه المرأة للحب من عذاب في حبها؛ يراها في أحلامه، ويرتسم وجهها الجميل على كل ما تبصر عيناه، ويتردد اسمها مع الوجيب وراء ضلوعه؛ فكأنما استطاعت نظرتها الأولى أن تحمله إلى عالم قفر لا يرى غيرها فيه.