وتبقى الحياة لغزا مبهما غامضا أمام القلب الإنساني حتى تشرق شمس الحب فيه من نظرة امرأة؛ فإذا الدنيا، وإذا الحياة غير الحياة، وإذا السماء تتلاقى مع الأرض لتملأ جوانبها بكل ما فيها من خير ونعيم.
لقد كان العباقرة والشعراء والفنانون من صنع المرأة، وكان المجرمون والمحتالون والأشرار من صنعها ايضاً؛ وكلما رأيت إنسانا قد رفعته الحياة على هامتها، فابحث عن اليد الناعمة التي رفعته إلى ذلك المكان؛ وإذا رأيت إنسانا آخر يهوي في الجحيم، ففتش عن القدم الناعمة التي سحقته تحتها، في غير ما رحمة إلى حيث لا يعود.
والمرأة كتلة محترقة من الإحساس الدقيق العنيف، متطرفة إلى أبعد غايات التطرف، لا تعرف الاعتدال ولا ترى إلا عند الطرفين المتناقضين. فإذا اضطرم قلبها بالحب ضحت بكل شيء وبحياتها في سبيل الحبيب، وإذا خفق ذلك القلب بالبغض وعاش الحقد فيه، انقلبت إلى عملاق لا يعرف الرحمة ولا يعرف الحدود في طريق الحقد والانتقام والأذى.
وحواء كالعاصفة لا تهدأ أبدا؛ تهز كل ما حولها هزا عنيفا، شأنها في ذلك شأن الإعصار المدمر العاتي، وهي كالنار تحرق نفسها، وتحرق كل شيء حولها.
وحين خلق الله وجه المرأة، كما يقول الرافعي، رضوان الله عليه، طوى أشعة القمر بعضها إلى بعض فكون منها ذلك الوجه المشرق الجميل، وانتزع من أعماق الشمس كتلة ملتهبة أودعها وراء قلبها، وغدت بالفطرة في سجيتها نورا ونار، نسمة وإعصار، بناء وتدميرا.
لقد نزل بالأمس القريب في سبيل المرأة ملك عن عرش الأرض ليجلس على عرش الحب في قلبها، ولكن العواصف التي هبت عليه من بين جوانحها، حالت بينه وبين الوصول إلى ذلك العرش الخالد، فعاد أدراجه، ينادي عليها في الفلوات بعد أن أدبرت عنه، ويجري في يأس قاتل وراء السراب في فيافي الحب وصحراء الخيبة.
أسعد إنسان في الوجود ذلك الذي تفتح له المرأة قلبها على مصراعيه ثم تغلقه بعد أن تجلسه على عرش الحب فيه. وحين تغلق المرأة قلبها على حبيب، لا تستطيع قوة في الوجود أن تخرجه منه، أو تضع إلى جانبه حبا جديدا.
لقد تكون الدر في أصدافه تحت أمواج البحر للمرأة، والذهب والأحجار الكريمة في طبقات الأرض للمرأة، وكل ما تنبت الأرض من ورود ورياحين وطيب للمرأة، وكل ما تنتجه