للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وها هنا شخص يحرق ضميره ومبدأه بخورا.،. وهناك آخر يضحي بما لديه من عفاف وكبرياء. . . . . .

وكأن ليس في العالم شيء أعز وأكبر من أن يكون قربانا لذلك الصنم الهائل الدميم. الذي كان يقبل القربان حيناً، ويزور عن عباده أحيانا. فلا يزيدهم نفوره وازوراره إلا تهالكا عليه، وغلواً في عبادته، وإكثاراً من الضحايا والقرابين. . . ثم نظرت إلى أطراف الهيكل، فأبصرت جموعاً أخرى عاكفة على أوثان أخر: ها هنا إله الشهوات وقد احتشدت عبيده من حوله. وهنالك وثن المناصب والجاه والناس من حوله ركع سجود. . . وفي هذه الناحية وتلك شكول وضروب من أصنام يكاد يخطئها العد، ويعجز عنها الوصف.

وألفيت نفسي بعد قليل أتنفس الصعداء، وقد إنجابت عن عيني تلك الرؤيا، ولم يبق أمام ناظري سوى الغيث المنهمر، والضباب المنتشر، وضوء المصابيح الضئيلة.

ولبثت برهة واجماً ساكنا: وقد امتلأت نفسي خزنا وغما. . . . . .

ثم نهضت ببطء شديد، وأغلقت النافذة وأسدلت الستر. وعدت إلى مجلسي بجانب الموقد. . . . . .

وأمسكت بيد مرتجفة ذلك الكتاب الذي تعبت في تسطيره وتحبيره. . . . . .

وبيد مرتجفة ألقيت به في النار. . . وجعلت أحدق فيه إذ يحور لهيبا ودخانا. . .

وأحسست بقطرات تنحدر على خدي. . فتناولت منديلي ومسحتها. . . . . . ولعلها من قطرات ذلك الغيث أصابت وجهي وأنا جالس لدى النافذة!

ألفيت الفتاة بعد أيام فأعادت السؤال فقلت لها إن كان روح النصرانية الحب، فأن روح الإسلام التوحيد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>