نشأ الوجيه علي مصطفى الزارع من أثرياء طما محبا للعلم والأدب، جعل من داره ندوة يسعى إليها كل شيخ وقور، وشاب مثقف، وطالب بحث في الأدب أو فقه في الدين، وكان أكثر الساعين إلى ندوته الموظفون الغرباء، فيجدون في رحابها كرما وجودا، وفي مكتبتها ثقافة وأدباء وفي جلساتها مرحا مهذبا يخفف عنهم لوعة الغربة وجفوة البعد.
وكان (للرسالة) الغراء لدى الوجيه الأديب مكانة محفوظة، وفي مكتبته الضخمة ركن ملحوظ، ولا أظن أن عددا واحدا من الرسالة ظهر دون أن يشتريه ويستوعبه حرفيا، ويناقش موضوعاته في ندوته، كما لا أظن أن كتابا واحدا ظهر لصاحب الرسالة دون أن يقتنيه مزينا به صدر مكتبته زافا بشراه إلى رواد ندوته - كان مشغوفا بالصحف على اختلاف ألوانها ومشاربها ومعنيا بها، ولكن شغفه بالرسالة وعنايته بها كانا يحملانه على الخروج من داره في يوم ظهورها ليستقبلها في نهاية الشارع أو في ميدان المحطة وقت مجيء القطار.
ومنذ أيام قرأت في الصحف نبأ انتقاله إلى جوار الله فريثته إلى نفسي ونعيته إلى قلبي، فقد كان نعم الصديق الذي لا يعرف غير صفاء العشرة، ونقاء الألفة، ووفاء الأخوة، وكرم الصحبة، ورثيت لحال أسر نكبها الدهر وتنكرت لها الحياة، كان لها معوانا، ولنوائبها ملجأ، ولآلامها مسكنا، ولدموعها مجففا
ولم يمض يوم واحد على نعيه في الصحف حتى تكشفت وفاته عن مأساة يرتجف لها القلم ألما، ويعتصر القلب دما، فقد ظهر أن الوفاة لم تكن طبيعية، وإنما كانت نتيجة اعتداء وحشي على الأديب الفقيد من أيد أثيمة لوثت بالجبن والنذالة، انتهزت فرصة عزلته وأنهت حياته متحدية غضب السماء وسطوة القضاء، غير آبهة بما ستخلفه المأساة من فجيعة في الأسر المنكوبة التي كان يعطف عليها، وفي الأصدقاء الذين كان يوفي إليهم حقوق الصداقة والأخوة، لقد تناقلت الصحف أن القتلة هم أخوته طمعا في الميراث الزائل لأن الفقيد لم يكتب عليه أن يؤذي إنسانا أو يسئ إلى أحد، كان يحب الخير للجميع، ويبذل الخير ما وسعه البذل للجميع، وكان إنسانا بكل ما في اللفظة من معنى، وما أعلم أن قلبا