الإنسانية، وعلى ذلك يصبح الإنسان بمثابة عمل وأهميته تبرز لكونه يقوم بدور فعال في سبيل الثقافة الاجتماعية، وكذلك يظهر مفهوم الجماعة بوضوح وجلاء عن طريق إحلال العلاقة الاجتماعية محل الفردية الضيقة.
وليس من شك في أن عمره الطويل - على وقاره - لم يتطرق إليه الجفاف ولا التصلب، فقد كان مفعما بالحساسية والدهشة والاستماع بالحياة ورفع شان الأفكار العصرية، وقد كان الحديث الدائر على مائدة سيد القرن الثامن عشر لا يتعدى نطاق الأفكار الطوبائية والمشاريع العمرانية، كحفر قنال لإيصال المحيط الهادي بخليج المكسيك وحفر قناة أخرى لإيصال البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر. وقد كان يؤكد دائماً ذلك بقوله:(وإن تحقيق هذه الأشياء يستحق مني العيش خمسين سنة أخرى). أما ثقته بالمستقبل فقد كانت تحتضن العالم كله، وأما حماسته فكانت نتيجة لشعوره بالقيمة العملية للحقائق العلمية وتأثيرها في نبذ الأفكار الغيبية التي كان العالم متأثراً بها ومريضا بسبها فسعى جهده لتخليصه منها. وقد نظم كل هذه المشاعر ببيته التالي (إي أمريكا! أن حياتك أحسن من حياتنا هنا في القارة، فأرضك لا تعوقها الصخور ولا القباب القديمة الخربة) وجميع هذه القباب هي من آثار (السخافة القديمة) التي يمقتها أشد المقت، وكان يصر على تهديمها كي يحب الإنسان الحياة على اعتبار هذه الآثار من الناحية المعنوية - كانت تمثل في نظره الرجعة العاطفية (السخافة) التي كانت تقف حجرة عثرة في سبيل التقدم البشري، وقد ناضل شاعرنا من فجر حياته لتحطيم أحزاب هذه السخافات لما لها من تأثير في العقول؛ يبدو ذلك من قوله في كتابه ولهلم ما يستر (إنهم لا يخافون شيئا كخوفهم من الفطرة السليمة، ولكن عليهم أن يخشوا السخافة التي هي الهول بعينه: ولكن الفطرة السليمة تعرقل مسعاهم لتحقيق مآربهم فعليها السلام ولتترك جانبا، ولتقدم السخافة ما يحلو لها وما عليك إلا أن تجلس وتنتظر)
ومع ذلك فجوته لم يحبس ولم ينتظر بل صمد (وقف) بشجاعته وبأسه ويجلد ويناضل في سبيل إبادة هذه السخافة، وفي سبيل أركان الفطرة السليمة. أليس اتجاه السخافة هذه بذاته يهدد الإنسانية اليوم؟
أجل أن ذلك لم يخف على بصيرة جوته فعرفها وشعر بها وهي تنمو؛ ولذا وجدناه بطلا