روحية وثقافية متينة) وذلك خلال الدفاع البليغ الذي كان مندوب الباكستان في مجلس الآمن السيد أحمد بخاري يفند فيه مزاعم فرنسا وتأويلاتها عن القضية التونسية، قال الدبلوماسي اللاتيني وقد تأثر من بلاغة البخاري:(أنتم أيها العرب والآسيويون على حق في مؤازرة تونس، ولكن لما لا تعطون فرنسا الفرصةالكافية لإصلاح ما أفسده استعمارها القديم على ضوء ما وضعته اليوم من سياسة تقدمية تثبت علاقات فرنسا مع مستعمراتها على أساس جديد نبراسه التعاون الصادق والشركة الأمينة في إطار (الاتحاد الفرنسي) على نحو ما انتهجته بريطانيا في (الكومنويلث) وحلت به أزماتها مع الهند والباكستان والمناطق الأخرى التي كانت ملكاً للتاج البريطاني؟ ويبدو أن (لاتينية) صديقي الدبلوماسي كانت أشد من نظرته السياسية، فقد ساررني محذرا: لا تخطئوا في قوة الإمبراطورية الفرنسية برغم ما أثخنت به من جراح. فهذه الإمبراطورية الفرنسية كالقطط لها سبعة أرواح.
والواقع أن قسماً من الرأي في أوربا وأمريكا يشاطر هذا الدبلوماسي رأيه في هذه الأرواح المتعددة التي تكمن في الإمبراطورية الفرنسية! وليس من الصعب أن ندرك سر هذه النظرة إلى حاضر فرنسا. فصناع السياسة الفرنسيين يجندون كل ما توفره لهم ثقافتهم من ظرف ولباقة ومرونة لغوية ومنطقية، لإقناع الناس بأن في جعبة وزارة الخارجية الفرنسية حلا جديداً لهذه الأزمات والضائقات التي تعانيها فرنسا في آسيا وأفريقيا، في ما تنشره في الملأ العالمي من تفاصيل (الاتحاد الفرنسي) الذي تطمح فرنسا بواسطته أن توازي في الحقوق والواجبات بين سكان فرنسا وسكان المستعمرات والمحميات الخاضعة للفرنسيين.
ترى ما مبلغ الصدق في هذا الادعاء وما حظ هذا (الحل) الفرنسي من النجاح؟ وهل حقاً أن الإمبراطورية الفرنسية ذات السبعة أرواح، أم أنها تمر الآن في مثل ما مرت به الإمبراطوريات في التاريخ القديم والحديث من رقي وانحطاط
وحقيقة الأمر أن نعرف اليوم أنها أكبر إمبراطورية معاصرة بعد أن تضاءلت ممتلكات بريطانيا في عالم ما بعد الحرب. فلفرنسا اليوم سيطرة مباشرة على حوالي ٧٧ مليونا من البشر يعيشون في فسحة من الأرض مساحتها تزيد على ٤ ملايين ميل مربع ونصف ميل، موزعة على القارات الخمس، بحيث لا تغيب الشمس عنها. وهذه المساحات الشاسعة مرتبطة بفرنسا بخطوط أصبحت من الوهن بحيث لا يدعمها اليوم إلا الحديد النار، سواء