للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في الهند الصينية الفرنسية أم في شمال أفريقيا العربية. وفرنسا اليوم برغم لباقتها في إقناع الناس بأن التحاد الفرنسي في صيغته النهائية سيحل محل الحديدوالنار، كدعامة للروابط الودية بين فرنسا ومستعمراتها ومحمياتها، إلا أن خبراء الشؤون الفرنسية لا يؤمنون بذلك، ويصرون على أن جوهر سياسة فرنسا الاستعمارية اليوم، يهدف إلى التخلص والتملص من المستعمرات في آسيا والمحيط الباسفيكي، وتركيز الجهد في شمالي أفريقيا العربية، وجعلها (امتداد) جغرافياً للوطن الفرنسي، وتحويل هذه المنطقة العربية إلى حصن منيع للثقافة والحضارة الغربية، تحي فرنسا فيه موات ثقافتها اللاتينية في أمن ورخاء لا توفرها لها اليوم الأرض الفرنسية وما يحيط بها من أخطار الهجوم الألماني والسيطرة الشيوعية) على حد قول كاتب أمريكي خبير بالشؤون الفرنسية في العدد الأخير من مجلة (عالم الأمم المتحدة).

ولعل هذا ما يفسر لنا سر هذا التعنت الشديد، والتحرش الصاخب الذي تعالج به فرنسا مشكلة تونس والجزائر ومراكش، والقسوة الدبلوماسية العنيفة التي لجأت إليها فرنسا في مواجهة الدول العربية والآسيوية التي تبنت قضية شمالي أفريقيا أمام الأمم المتحدة.

إذن فخرافة (الحل) الفرنسي وفكرة (الاتحاد الفرنسي) وأسطورة الإمبراطورية ذات السبعة أرواح، ليس إلا رماداً تذره فرنسا في عيون الناس، لتعميهم عن حقيقة الهدف الذي تطمح فرنسا في أن تعالج به مآزقها الإمبراطورية، وهو هدف واقعي يعترف بأن الإمبراطورية الفرنسية لن تستطيع العيش حتى بسبعة أرواح، وأنها اختارت أن تقصر قبضتها الشديدة القاسية على أقرب المناطق لها، وهي شمالي أفريقيا العربية.

وإذن فالإمبراطورية الفرنسية في تفكك وانحلال. وعلماء النفس يقولون لك أن المرء حين يعتريه نوع من التفكك والانحلال يميل إلى العنف والقسوة في أغلب الحالات. ولعل هذا يفسر هذه القسوة العنيفة الشريرة التي تمارسها فرنسا ضد إخواننا المغاربة، قسوة لا حدود لها، فقد أهلكت الحراب الفرنسية في الجزائر منذ سنوات قليلة ٤٠ ألف شخص من الرجال والنساء والأطفال، في حملة (تأديب) واحدة. وحوادث تونس اليوم مثل واضح على هذه القسوة الفرنسية. ألوف من الفرنسيين، قادة ورعاعا قابعون في غياهب السجن وقيود الاعتقال، وحراب سنغالية سوداء تفتك بالنساء والأطفال والرجال، وكأنما تشهد بذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>