ففي مصر تغلبت الغربية على اللغة القبطية ثم تفاعلت بلغات أخري كالفارسية والتركية. ولازلنا نرى آثار هذه اللغات في (العامية المصرية). أما في العراق فقد كانت رواسب الفارسية أعمق وأشد ظهوراً في عاميتهم. على حين نرى شيئاً من آثار التركية وقليلاً من السريانية في بلاد الشام.
ونحن إذا تتبعنا أقاليم الصنف الثاني التي لم تغزها اللغة العربية غزواً تاماً رأينا أنها خضعت بالمثل لنظرية (المؤثر والأثر وهذا على الرغم من قوتها السياسية، وعلى الرغم من ابتعادها عن مركز الثقافة العربية. فأنت ترى أن اللغة الفارسية القديمة التي تسمى (الفهلوية) تتطور بسبب هذا التفاعل وتبدو في وثوب جديد هو (الفارسية الحديثة). وقد أثبت البحث اللغوي أن ستين في المائة من ألفاظها عربي صرف. كما ترى أن اللغات الهندية التي تمت بصلة إلى الفصيلة (السنسكريتية) نالت ما نالتها أختها من الأثر فظهرت إحداها في ثوب جديد هو (اللغة الأردوية). وإن ما اشتملت عليه الأردو من ألفظ عربية لأكبر دلي يؤيد استمرار هذا التفاعل.
وإذا كانت الأمثال - كما قدمنا في المقال السابق - تلونت بالبيئة وتطورت مع الزمن كما تلونت لغة الحديث وتطورت تماماً - أدركنا بوضوح ما بين الأمثال ولغة الحديث من سمات عجيبة كشفها أمامنا الاستقرار ولم نصنعها صنعاً أو نبتدعها ابتداعاً، ثم إذا كانت الأمثال - وحدها من بين فنون النثر - هي التي استطاعت أن تستمر مع الزمن وتلين لهذا التفاعل الدائم كما استمرت ولانت لغة الحديث - كان خليقاً بنا أن ندرك وجوه الشبه بينهما وأن نقف عندهما وقفة المصلح اللغوي الذي يتلمس الطريقة المثلى في النهوض بأمر اللغة، وإن موقف المصلح اللغوي هنا يشبه تماماً موقف العالم الطبيعي الذي يتوسل إلى معرفة الشيء بشبيهه. ويقيس ما غمض عليه من المسائل بما وضح أمامه منها حتى يصل من البسيط إلى المركب، أو قل هو كالطبيب المجرب الذي يستخدم دماء الأصحاء في حقن أجسام المرضى من بني الفصيلة الواحدة.
والأمثال - عنده - هي النص الأدبي الحي الذي لم يعتوره الجفاف أو يلحق به الجمود أو تحجبه الصنعة أو يحول فيه التكلف والتعمل دون تذوق الناس له سواء الخاصة منهم والعامة. فما أشد حاجة ذلك المصلح إلى أن يتخذ من مادة ذلك النص المصل الواقي الذي