للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجزأين أن الأخير في قوته وعظمته وتمكنه وأتساع شعره جزء عظيم كأنه بنفسه الكل. ولم يترك شاعر في مصر قديماً وحديثاً ما ترك شوقي، وقد اجتمع له ما لم يجتمع لسواه، وذلك من الأدلة على أنه هو المختار لبلاده فساوى الممتازين من شعراء عصره وارتفع عليهم. . أن شوقي من النفس المصرية بمنزلة المجد المكتوب لها في التاريخ بحرب ونصر. . الخ)

وإلا فدلوني على شاعر غير شوقي تمكن أن ينظم في كل الفنون والأبواب فيجيد ويبدع؟ أنا أعلم أن أكثر الشعراء في لون من ألوان الشعر فيشتهرون به كما حدث بالفعل. فأبو نواس مثلاً أجاد في الخمريات وأبو العتاهية في الزهديات والنابغة في الاعتذارات والمتنبي في الحكمة وهكذا. . أما أن يجيد الشاعر في كل باب فهذا لم يحدث في تاريخ الشعر العربي قط ولم يتح منذ الجاهلية حتى الآن إلا لشوقي؛ لأن شوقي لم يكن شاعر مصر فقط ولا العروبة وحدها ولا الإسلام خاصة، بل كان شاعر الشرق كله أو قل الإنسانية جميعها، وهكذا يكون الشعراء العالميون الخالدون. وشوقي بعد هذا كله جمع في رأسه ونفسه نفسيات جميع الشعراء وأفرغها بعد فحصها في ثوب جديد خاص به، وبذلك دل على أن أسلوبه لا يجاريه أسلوب، حتى ليستطيع المتذوق لشعره أن ينسب كل ما قال من الشعر له حتى ولو غالط مدح ونسبها إلى غيره؛ لأن ألفاظه وتعبيره وديباجته تنم عليه كما ينم العطر على الوردة ولو اختفت بين الأشواك، وهذه ميزة قلما ينفرد بها أحد غير العباقرة الملهمين.

وإذاً فمن تكرار القول وإعادة الحديث أن أبدي إعجابي بشوقي إلى هذه الدرجة من الإفراط والتطرف، ومن التبجح أن أذكر ذلك، ولكني في هذا الحديث مرغم لأنني أعجب غاية العجب من عدم عناية أدباء مصر بشعر سيد شعرائهم وخصوصاً شعره لم يدرج في كتاب ولم يضم إلى دواوينه الأربعة. ولما كنت أعتقد أن لشوقي قصائد كثيرة لم تنشر أخذت أعنى بجمع أكثر القصائد التي أعثر عليها في بطون الصحف الأدبية القديمة التي كانت تسعى إلى نشر ما يقوله أمير دولة الشعر وكرسي الأدب حتى تمكنت بعد جهد جهيد وسعي متواصل أن أحصل على عشر قصائد نشرت أثنين منها في الرسالة الغراء قبل عام وها أنا أتبعها الآن بقصيدتين من عيون شعره، على أن أقدم بعد ذلك ما لدى من شعره في

<<  <  ج:
ص:  >  >>